ليبيا .. بين “اللعنة والأمل”
سالم الهمالي
لو قدر لأي إنسان رؤية صورة لجامعة قاريونس او مطار طرابلس العالمي او قلعة سبها، ثم وقف اليوم على حطام الجامعة وفضاء المطار وأطلال القلعة؛ لأدرك أن ما يحدث في ليبيا أمر خارج الزمان والمكان… بلاد حباها الله بكل النعم بما يكفيها وزيادة أصبحت من أكثر بلاد العالم خرابًا وفسادًا ودمارًا.
ليبيا.. التي توحدت بسلاسة، دون إزهاق أرواح أو سفك دماء عندما اجتمعت إرادة أهلها مع مساعدة الأمم المتحدة تعيش، اليوم، مرحلة من أسوأ مراحل تاريخها، مستعمرة وفاقدة للسيادة، يقرر مصيرها الأجانب ويطبقونه بثمن باهظ على حساب أرواح الليبيين ودمائهم وأرزاقهم.
وقد صادف يوم أمس ذكرى استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار والاحتفال بيوم الشهداء، إلا أننا لم نرَ أي مشهد من مشاهد الاحتفال التي تعزز الروح الوطنية والدفاع عن الوطن.
وكان ما رأيناه صراعًا مريرًا وبغيضًا بين أقطابها السياسية رأسيًا وأفقيًا، لم يستثن حتى المجلس الرئاسي، الذي نصّبه المجتمع الدولي لحكم ليبيا، وأصبح الجميع يتصارعون عليها، وكأنها أصبحت غنيمة بين أيديهم.
الظلام والإفلاس والمرض؛ هو العنوان دولة تمتلك “50” مليار برميل من النفط، بشعب لا يتجاوز تعداده أحد أحياء مدينة القاهرة، فالليبيون لا يجدون العلاج أو الأموال أو حتى الشعور الأمن.. بل إن الكهرباء، بتلك الشبكة التي غطت شواطئ وصحارى ليبيا أصبحت اليوم طرفة وخبر في قلب طرابلس وبنغازي، “خمسة بخمس، واثنان بأربعة” وغيرها مِن التوصيفات لانقطاع الكهرباء.
لا تتحدث عن المصانع والورش، فذاك أصبح ماضيا يتندر به الناس، فالتجارة اليوم هي في محركات الكهرباء والنافته، التي تضاعفت أسعارها في السوق السوداء عشرات المرات.
اللعنة تتوالى، فعند كل منعطف للأسف تتجه الأمور في الاتجاه الخطأ، شخصيات باهتة دون أي تاريخ عملي مشهود بالإنجازات تعتلي المناصب بطريقة يساهم فيها المجتمع الدولي ومن يوليهم أمر ليبيا، ولا عجب أن النتيجة هي ما نراه من بؤس وتردٍ في جميع المرافق والمجالات.
الماضي معروف لكل الناس، والمستقبل “الأمل” يتجدد كل مرة، ونحن على أبواب مرحلة جديدة، وأمامنا منعطف:
على اليمين .. استيعاب لدروس الماضي، وإدراك أن الليبيين ليسوا أعداء لبعضهم البعض، والخصومة مهما كانت يمكن التوصل فيها إلى توافق ينقذ البلد والأجيال القادمة من مستقبل محفوف بالمخاطر. طريق يحتاج إلى (رجال دولة)، وليس محاصصة مناطقية أو قبلية او مدينية أو لمن يحتكر السلاح والرصاص. ليبيا في حاجة إلى السلام وليس الحرب، البناء وليس الدمار، الصحة وليس المرض.
خبرات ليبية لها تاريخ عملي في إدارة الدولة، ولَم يعرف أصحابها بالفساد والإفساد المالي او الاجتماعي، لديهم دراية بتحقيق المصلحة العامة لكل الشعب الليبي.
على اليسار .. الإشارة ستكون واضحة، فإذا رأيتم تلك الوجوه التي ساهمت في خراب ليبيا في المناصب الجديدة، فاعلموا ان مسلسل الانهيار متواصل، واللعنة سارية المفعول. أولئك الذين لا يملكون سوى خطاب البغض والحقد وتحريض الليبي على أخيه الليبي، والإذعان والخضوع للأجنبي عرابين ذلك الطريق البائس.
حرّي بهذا الشعب ان يخرج من هذا النفق المظلم، وجدير بتلك التضحيات الجسام أن تؤسس لدولة مدنية تحافظ على أبناءها، فالآمال كبيرة والمخاوف أكبر .