ترجمة خاصة لقناة 218
نشر موقع “أميركان انتربرايز انستتيوت” بحثا مطولا للكاتبة إميلي إستيل المتخصصة في الشؤون الليبية حول شروط نجاح الإدارة الأميركية في ليبيا وإخراج البلاد من أزمتها، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لمحاربة تيار السلفية الجهادية التي تراها أساسا لمشكلة الإرهاب الإسلامي في العالم، وقد نشر موقع “كريتكال ثريتس” جانبا من التقرير جاء فيه:
أمريكا بحاجة إلى سياسة جديدة في ليبيا. وأسلوبها الحالي يفشل، ومن المرجح أن يترك ملاذا آمنا دائما لتنظيم داعش والقاعدة على الحدود الجنوبية لأوروبا. وهذا المستقبل سيعزز الحركة السلفية الجهادية العالمية، ويسهل الهجمات المستقبلية ضد الولايات المتحدة وأوروبا، ويتطلب حملة أمريكية دائمة لمكافحة الإرهاب في ليبيا. تكلفة الاستمرار في الضربات الموجهة في ليبيا إلى أجل غير مسمى كبيرة. والطائرات بدون طيار، والطائرات المأهولة، والمراقبة والاستطلاع، والمحللون والمشغلون، والذخيرة الذكية باهظة الثمن. كما أن تخصيصهم للعمل في ليبيا يحرم المسارح الأخرى من دعمهم. والاعتماد على هذه الإستراتيجية، حتى لو كانت ناجحة، هو أرخص من تدخل أكثر فاعلية على المدى القصير فقط. وقد أظهرت عقود من هذه الإستراتيجية كيف من غير المرجح أن تنجح وأن التكاليف المحتملة لمواصلة تنفيذها أكبر.
الأزمة الليبية لا تقتصر على ليبيا. حيث أدى انهيار الدولة الليبية منذ عام 2011 إلى زعزعة استقرار حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء شمال أفريقيا، وإلى منافسات جيوسياسية، وأدى إلى تفاقم أزمة المهاجرين إلى أوروبا، ومع ذلك، تواجه الولايات المتحدة فرصة في ليبيا اليوم وتواجه تحديا أيضا.
ليبيا منطقة كبيرة ولكن عدد سكانها صغير يبلغ حوالي ستة ملايين نسمة، يتركز معظمهم على طول الشريط الساحلي الضيق. الأمن فيها ضعيف، والجماعات السلفية الجهادية قوية، ولكن الوضع ليس سيئا تقريبا كما هو الحال في سوريا، اليمن، العراق، أو حتى الصومال. إن تخصيص قدر ضئيل نسبيا من الموارد دعما لإستراتيجية شاملة يمكن أن ينهي بشكل دائم تهديدا للأمن الأمريكي والأوروبي، ويوقف زعزعة الاستقرار في دول شمال أفريقيا الرئيسة، ويوجه ضربة قوية للحركة السلفية الجهادية على الصعيد العالمي.
لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف في ليبيا الآن؟
لأنه لا توجد دولة ليبية اليوم. والبلد يدور في حلقة من عدم الاستقرار منذ أن انتهت الثورة وتدخل الناتو لإسقاط حكم القذافي عام 2011. وأطلق سقوط القذافي تيارات مزعزعة للاستقرار في المجتمع الليبي كان القذافي يستغلها ويتلاعب بها. حاليا فشلت اتفاقات السلام وفشلت الحكومات الانتقالية مرارا وتكرارا، وانحدر البلد إلى حرب أهلية. في ليبيا الآن ثلاث حكومات متنافسة وشبكة متزايدة من الميليشيات التي تتنافس للسيطرة على مدنها ومصادر الدخل. ومن غير المرجح أن تحل عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة هذا الصراع.
كان انهيار ليبيا فرصة رئيسية للجماعات السلفية الجهادية مثل تنظيم القاعدة وداعش. وتدفقت أسلحة من ترسانة القذافي إلى مقاتلين عبر أفريقيا والشرق الأوسط. وأسست القاعدة وفي وقت لاحق كما أسس تنظيم “داعش” فرعا في ليبيا، حيث يقوم بتجنيد وتدريب المقاتلين، والربح من الاتجار في البشر، وإعداد الهجمات على الدول المجاورة وأوروبا. كما تسمح الثغرات الأمنية في الحكم الليبي الحالي والمآزق الأمنية للجماعات “السلفية الجهادية ” بالسيطرة على السكان بدعوى حمايتهم دعما لهدفهم الطويل الأجل المتمثل في تحويل المجتمعات الإسلامية. وليبيا واحدة من أماكن قليلة جدا في العالم حيث يمكن أن تؤدي الحركة السلفية الجهادية العالمية هذه المهام الأساسية على نطاق مؤثر.
لكن المصالح الأمريكية في ليبيا تتجاوز التهديد السلفي الجهادي. فروسيا تسعى إلى التأثير في ليبيا للضغط على أوروبا، وتحدي علاقة أمريكا مع مصر، وتعزيز نفوذها العسكري في جنوب البحر المتوسط. كما تعد ليبيا مسرحا لتنافس القوى بين دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع حلفاء وشركاء أمريكيين من كلا الجانبين. ليبيا هي عقدة عبور رئيسية لتدفقات المهاجرين وزعزعة الاستقرار في أوروبا.
ليبيا اليوم في وضع سيء وغدا ستكون أسوأ بكثير. والآن هو الوقت المناسب للتصرف. حيث تقوم الجماعات السلفية الجهادية بتعزيز الملاذات الآمنة في الصحراء الليبية. وأصبحت البلاد وجهة رئيسة للمسلحين الفارين من الخسائر في المسارح الأخرى والاستعداد للتسلل إلى أوروبا. وقد ساعدت ليبيا بالفعل في زعزعة استقرار تونس وأضعفت مصر والجزائر. فالولايات المتحدة لا تستطيع تحمل الأزمات في تلك الدول المجاورة الحليفة لها. وليبيا هي أيضا مأساة إنسانية تلوح في الأفق، و المجتمع الدولي غير مجهز للتعامل مع المزيد من الأزمات أو الهجرة.
لقد قللت الولايات المتحدة من أهمية ليبيا في السابق ولا تستطيع تحمل ذلك مرة أخرى. وحان الوقت للتصرف قبل أن تصبح أسوأ السيناريوهات حقيقة واقعة.
المشكلة الخطأ، والإستراتيجية الخطأ
ركزت السياسة الأميركية الأخيرة في ليبيا على مساعدة الجهات الفاعلة المحلية لطرد تنظيم داعش من الأرض التي استولى عليها، وتعطيل تنظيم هجمات خارجية، واحتواء عدم الاستقرار في ليبيا بشكل محدود. وقد وفرت الولايات المتحدة، التي ليس لها وجود دبلوماسي في ليبيا بعد انهيار بنغازي عام 2012 وإغلاق السفارة الأمريكية في طرابلس عام 2014، دعما دبلوماسيا محدودا لحكومة وحدة تدعمها الأمم المتحدة. كما قامت القوات الأمريكية بعمليات عسكرية متقطعة لاستهداف نقاط التهديد الخارجي وحرمان تنظيم داعش من امتلاك الأرض.
وتعطي السياسة الحالية الأولوية للدفاع قصير الأجل على المدى الطويل. لكنها فشلت في ضمان استقرار ليبيا وهزيمة داعش، وأدت إلى استمرار الظروف التي تغذي التجنيد للجماعات السلفية الجهادية. ويتجاهل التركيز على داعش أيضا النطاق الكامل للتهديد السلفي الجهادي في ليبيا، والذي يتضمن وجودا هاما للقاعدة لا تعالجه الإستراتيجية الأمريكية بشكل مجد.
تنبع عيوب هذه الإستراتيجية من سوء فهم التهديد الإرهابي فالجماعات الإرهابية في ليبيا التي تهدد الولايات المتحدة: مثل القاعدة وداعش، والجماعات التابعة لها، هي تمظهر للحركة السلفية الجهادية العالمية. وهدفهم النهائي هو تحويل المجتمعات الإسلامية عن طريق العنف وإقامة نظام حكم في ظل تفسير أصولي للشريعة ومن أجل ذلك يستخدمون هجمات إرهابية عندما يعتقدون أنها أكثر فعالية، ولكنها تستخدم أيضا الحرب التقليدية والتمرد والأنشطة غير العسكرية.
يجب على الولايات المتحدة أن تعرف في ليبيا كما في أماكن أخرى، بأن تحديد خصومنا على أنهم إرهابيون فقط وأن أتباع إستراتيجية محضة لمكافحة الإرهاب سيؤدي إلى الفشل.
الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطة كسب هذه المعركة بالقنابل وحدها. ولا يمكن للولايات المتحدة ببساطة أن تكسب هذه المعركة بالقنابل وحدها.أي إستراتيجية ناجحة يجب أن تركز على تأمين السكان الليبيين ضد الحركة السلفية الجهادية. ويصبح هذا التحرك قويا عند تمتين العلاقات مع السكان.
وهذه العلاقات ممكنة عندما تواجه المجتمعات الضعيفة تهديدات وجودية تجعلها غير قادرة على مقاومة الجماعات السلفية الجهادية أو تجبرها على اللجوء إلى هذه الجماعات من أجل الحكم أو الدفاع. في ليبيا، مصدر التهديدات هو الصراع الأهلي. وسمح انهيار الدولة والمجتمع الليبي بعد عام 2011 للجماعات السلفية الجهادية بالتسلل إلى المجتمعات الليبية والاستيلاء عليها. ويزداد ملجأ السلفيين الجهاديين الليبيين نموا أكثر فأكثر حيث أن هذه الجماعات تقيم روابط أكثر وسط استمرار عدم الاستقرار.
إن تأمين الشعب الليبي ضد الحركة السلفية الجهادية يتطلب حل الصراع القائم وإغلاق الثغرات في الحكم والأمني على المستوى المحلي. يجب على الولايات المتحدة أن تحول النموذج الذي يرسم سياستها لمكافحة الإرهاب من أجل منع التهديد المتفاقم من ليبيا وأن تضع المعركة الأكبر ضد الحركة السلفية الجهادية على طريق النصر.
ما العمل
يجب على الولايات المتحدة تنفيذ استراتيجية لحل الأزمة السياسية الليبية والحكم الفعال وإغلاق الثغرات الأمنية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إزالة الظروف الكامنة وراء عدم الاستقرار الإقليمي ونمو الحركة السلفية الجهادية. وهذا يتطلب إنجاز خمس مهام رئيسية:
- دعم التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض لإيجاد هيكل مقبول للحكم وتحقيق الأمن
- تحديد وتدريب وإرشاد ومساعدة القوات الشريكة الليبية في تدمير التهديدات السلفية الجهادية وتأمين الأراضي والسكان
- تمكين المجتمعات المحلية من عزل الجماعات والأفراد السلفيين الجهاديين.
- إلغاء الحوافز التي تساعد الجهات الفاعلة على مواصلة النزاع
- الضغط على الدول الإقليمية لوقف المشاركة العسكرية ودعم تسوية سياسية شاملة.
الزعامة الأمريكية مطلوبة هنا لتحقيق حل دائم في ليبيا. ويجب على الولايات المتحدة أن تلعب دورا رائدا، مع الحلفاء والشركاء، في إنهاء الحرب الأهلية الليبية وإرساء دعائم الحكم والأمن على المستوى المحلي. يجب أن يقترن هذا النهج الشامل بجهود الولايات المتحدة والحلفاء والشركاء لهزيمة الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا والقضاء على ملاذاتهم الآمنة. ويهدف مفهوم العمليات إلى خلق جيوب من الاستقرار تدعم في نهاية المطاف إقامة حكم وأمن مقبولين في جميع أنحاء ليبيا. وهو يتألف من أربعة خطوط متزامنة مع الجهد.
الخط السياسي
وتجري الولايات المتحدة مع الحلفاء والشركاء التزاما دبلوماسيا متزامنا من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى لحل الأزمة السياسية الليبية.
المباشرة
تقدم الولايات المتحدة والحلفاء والشركاء خدمات هامة من خلال المؤسسات الليبية لسد الثغرات في الحكم ومنع حدوث أزمة إنسانية.
التأمين
تقوم القوات الأمريكية والقوات المتحالفة بتدريب وإرشاد ومساعدة قوات الأمن الليبية على تأمين السكان وهزيمة الجماعات السلفية الجهادية.
البيئة
تطبق الولايات المتحدة وحلفاؤها العوائق الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية للقضاء على الاستفادة من الحوافز لمختلف الجهات الفاعلة التي تطيل أمد الصراع في ليبيا.
يسعى هذا التقرير إلى توفير إطار استراتيجي لصانعي السياسات والممارسين الأميركيين لضمان الحد الأدنى من المصالح الحيوية في ليبيا. ولذلك فهو يركز فقط على مصالح وأولويات الولايات المتحدة. ويجب ألا يحجب هذا التركيز إرادة الشعب الليبي أو اهتماماته، التي تعتبر حاسمة لنجاح إستراتيجية ترتكز على حل الصراعات وإدارتها.
ويقدم هذا التقرير تقييما للمسرح الليبي والجهات الفاعلة الرئيسية المعنية بهدف التوصية بنهج استراتيجي بدلا من وضع خطة قابلة للتنفيذ. وستتطلب أي خطة من هذا القبيل فروقا إضافية تفسر الاختلافات بين المجتمعات والأفراد، فضلا عن وضع متطلبات ملموسة لتحديد حجم القوة وتكوينها.