ليبيا… الجيش التاسع
د. جبريل العبيدي
بعد ثلاث سنوات من النهوض من الصفر، جاء ترتيب الجيش الليبي التاسع أفريقياً من حيث القوة والتكتيك والاستراتيجية وإعادة البناء، وفق ما جاء في تصنيف، منظمة «غلوبال فاير باور» بين أقوى جيوش أفريقيا، ويعتبر هذا الترتيب متقدماً رغم الظروف التي مر بها الجيش الليبي بعد ضرب قواعده ومعسكراته وطائراته وسفنه، بل حتى الغواصات التي كان يمتلكها خلال ضربات حلف الناتو في عام 2011 والتي فتحت مخازن سلاح الجيش الليبي وتركتها للنهب من قبل الجماعات الإرهابية، وكأن الهدف كان توزيع ميراث ترسانة القذافي الضخمة على الجماعات الإرهابية، لنشر الفوضى التي سمتها كوندوليزا رايس بـ«الفوضى الخلاقة».
الجيش الليبي نهض من بين الركام، بعد تعرضه للمؤامرة الثانية التي تبنتها جماعات «الإسلام السياسي»، حيث تمت المؤامرة بتشكيل قوات موازية للجيش الليبي، هي في الأصل عبارة عن ميليشيات تابعة لجماعات «الإسلام السياسي» تحاكي ميليشيا «حزب الله»، وتم صرف المليارات عليها بين مرتبات و«مهايا» ومزايا، وتم تزويدها بالسلاح الذي سمح مجلس الأمن بتوريده في عام 2013، حيث تم تزويد هذه الميليشيات الموازية للجيش تحت اسم «الدروع» و«كتائب الثوار»، ولم يصرف من السلاح أي قطع جديدة لأي قوة نظامية تتبع الجيش الليبي، بل قام المؤتمر الوطني (البرلمان) في عام 2012 بتشريعات وقرارات كانت جميعها لصالح الميليشيات الموازية للجيش الليبي، من بينها إحالة أكبر الضباط وأكفإهم إلى التقاعد المبكر، في محاولة مفضوحة من نواب «الإسلام السياسي» المسيطرين على المؤتمر الوطني (البرلمان) الذي ورث المجلس الانتقالي الفبرايري، خصوصاً في نفوذ جماعات «الإسلام السياسي» وتسلطها، البرلمان الذي جاءت وزارة دفاعه واشترت آلاف الحقائب المفخخة ومسدسات وبنادق كاتمة الصوت، في سابقة لم تقم بها أية وزارة دفاع في العالم، حيث تم شراء أدوات الاغتيالات التي سرعان ما أشعلتها عناصر «الإسلام السياسي» بين ضباط الجيش الليبي وجنوده، إذ تم اغتيال أكثر من 800 ضابط وطيار في مدينة بنغازي عام 2013 أغلبها استخدم في مشتريات وزارة دفاع المؤتمر الوطني من مفخخات ولواصق تفجير ومسدسات كاتمة للصوت، التي سبق شراؤها من قبل وزارة دفاع يتنفذ فيها أشخاص كانوا سجناء ومقاتلين سابقين في تورا بورا وبيشاور.
الجيش الليبي متحصل اليوم على الترتيب التاسع بين 34 دولة أفريقية، وهذا اعتراف دولي بالجهد الكبير الذي بذله رجال وطنيون ليبيون وضباط شجعان استعادوا للجيش هيبته ومكانته، من أبرزهم المشير أركان حرب خليفة حفتر قائد عام الجيش الليبي وأحد أبرز ضباط حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والمتحصل على نجمة العبور كمشارك عربي ضمن القوات العربية التي حققت مع الجيش المصري نصر أكتوبر. المشير حفتر ورجاله استطاعوا إعادة ميزان القوة للجيش الليبي والعودة به من الصفر حتى نال الترتيب التاسع أفريقياً، في غضون بضع سنين لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
الجيش الليبي يعتبر صمام أمان للدولة المدنية الليبية، وهو الذي خاض حرباً على الإرهاب في ظل حظر دولي على التسليح يسهم في إضعاف الجيش الليبي أمام الجماعات الإرهابية، التي كان ينهال عليها الدعم القطري عبر أسطول من الطائرات لا تكاد تخلو الأجواء الليبية منها بين مقبلة وأخرى مغادرة، بينما مارست إدارة أوباما – كلينتون دوراً بارزاً في إضعاف الجيش الليبي عبر دعم وتوطين ميليشيات «الإسلام» السياسي.
الجيش الليبي اليوم استعاد أنفاسه واستطاع دحر الإرهاب، والآن يعاد بناؤه وفق نظم وتراتبية عسكرية وأعلى درجات الانضباط، وبالتالي لن يكون جيشاً متمحوراً حول شخص أو أشخاص، بل إن القيادة العامة للجيش الليبي عملت على جعله جيشاً وطنياً منضبطاً، وكثيراً ما عالجت بصرامة شديدة أي تجاوزات حدثت من أفراده، ما يعكس إصراراً على تكوين مؤسسة عسكرية وليس فقط جيش مقاتل.
الجيش الليبي يتعرض باستمرار لمؤامرات الإسلام السياسي، وخصوصاً تنظيم إخوان البنا وقطب، وفتاوى التكفير والتحريض المتكررة عليه من مفتي الجماعات الإرهابية والمطلوب دولياً المفتي المعزول صادق الغرياني، هؤلاء الذين لا يؤمنون بوجود مؤسسة عسكرية وطنية، لأنها ستكون خطراً على مشاريعهم العابرة للحدود، سرعان ما أشعلوا نار الشماتة والكذب بمجرد دخول المشير مشفى فرنسياً للكشف والمتابعة، واستخدموا في ذلك ألفاظاً لا تليق، ولا يستخدمها إلا السوقة.
الجيش الليبي الذي تأسس في عام 1949 باقٍ ويتقدم، لانتشال ليبيا من براثن الإسلام السياسي وجماعاته الإرهابية.