لون محادثة مربكة
كِماماند نغوزي أديتشي*
ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي
أول مرة خاطبني فيها أمريكي أفريقي بـيا “أختي” انزعجت. كانت في محل في بروكلن، وكنت حديثة القدوم من نيجيريا، البلاد التي، بفضل البعوض، لم يستقر بها مستوطنون إنغليز. لون بشرتي لا يحدد هويتي، لا يحد من أحلامي أو ثقتي. وهكذا، فرغم أنني نموْت مع قراءة الكتب التي تدور حول أمكنة مذهلة يعامل فيها السود معاملة سيئة، لكونهم سودا، فإن العرق ظل بالنسبة إلي تجريدا غريبا: كان كونتا كنتي** Kunta Kinte.
حتى ذلك اليوم في بروكلن، أن أدعى بيا “أختي” كان يعني يا “سوداء”. وكان السواد يقع في الدرك الأسفل من مستويات التراتب الاجتماعي الأمريكي America’s pecking order. لم أرغب في أن أكون سوداء.
أثناء وجودي في الكلية عملت مربية لدى أسرة يهودية، ومرة ذهبت لآخذ ستيفن الذي كان في الصف الأول من بيت صديقه. كان البيت جميلا يرفرف فوقه العلم الأمريكي. أم صديق ستيفن حيتني بحرارة. ستيفن احتضنني وذهب لإحضار حذائه. صديقه نزل السلم راكضا ثم توقف في المنتصف. “إنها سوداء”. قال لأمه، وحدق فيَّ بصمت قبل أن يصعد عائدا. ضحكت بغباء، ربما كي أخفف التوتر. بيد أني كنت غاضبة.
كنت غاضبة من أن هذا الطفل لم يكن يفكر فقط أن الأسود مختلف، ولكن علموه أن الأسود ليس شيئا حسنا. كنت غاضبة لأن سلوكه أحرج ستيفن، ولفترة طويلة كنت أتوقع حدوث شيء مماثل في بيوت أخرى تعلق العلم الأمريكي.
“أم ذلك الطفل جاهلة جدا”، قال أحد الأصدقاء. “جاهلة” تشير إلى أن الأثرياء الأمريكان المتعلمين المقيمين في ضواحي فيلادلفيا في 1999 لم يدركوا أن الناس السود كائنات بشرية. “هو مجرد طفل تصرف بمقتضى طفولته. لم يكن عنصريا”، قال آخر. “عنصري” تشير إلى أن الأمر هين، ما دام لا الطفل ولا أمه أحرقا صليبا في ساحة بيتي. نعَتُّ الصديق الأول بأنه “مُسْتَهْوِن diminisher” والثاني بأنه “نافٍ denier” واكتشفت أنّ كليهما يوضحان إلى أي مدى يتحدث غالبية الأمريكان عن السواد.
المستهونون يتوفرون على تفوق ذهني ماكر ويعتمدون على لفظة “جاهل”. فهم يعتقدون أن السود ما زالوا يواجهون تنغيصات مرتبطة بالسواد، ولكن في أشكال هينة، ومن أشخاص مستائين أو غاضبين، أو أشخاص ذوي نوايا حسنة إلا أنهم لا يجيدون التعبير عنها. المستهونون يعتقدون أن الناس يمكن أن يكونوا “جهلة” لكن ليس “عنصريين”، لأن لدى هؤلاء الناس أصدقاء سود ويؤيدون حركات الحقوق المدنية أو أن لديهم أسلافا كانوا ينادون بإنهاء العبودية.
أما النُّفاة فهم يعتقدون أن السود ما عادوا يواجهون منغصات ترتبط بالسواد بعد موت لوثر كنغ جي. آر. فهم لديهم “عمى ألوان” ويستخدمون تعابير من مثل “أبيض، أسود أو قرمزي، فنحن كلنا سواسية”.. كما لو أن العرق مسألة بيولوجية أكثر منه هوية اجتماعية. الحالات التي ينسب فيها السود إلى السواد هي في حقيقتها مرتبطة بعوامل أخرى، من مثل كثرة الأطفال أو القيادة بسرعة بالغة. بيد أنه إذا اضطر النفاة إلى القبول بأن حادثا ما كان بالفعل متعلقا بالسواد، فإنهم يروون قصصا عن قمع الآيرلنديين أو الأمريكان الأصليين، كما لو أن إنكارهم شرعية حادثة محددة يقتضي التعميم على الآخرين. النفاة يستخدمون لفظة “عنصري” مثلما تستعمل لفظة “ديناصور” للإشارة إلى ظاهرة ما عادت موجودة.
وعلى الرغم من أن الطريقة التي يعلن بها السواد عن نفسه في أمريكا قد تغيرت منذ 1965، فإن الطريقة التي يجري بها الحديث عنه لم تتغير. أنا أكن عاطفة قوية ومعقدة لهذا البلد.. فأمريكا تماثل كما لو أن عما لي غير مباشر لا يتذكر اسمي دائما، ولكنه أحيانا يمنحي مصروفا.. وما يعجبني أكثر فيها هو قدرتها على خلق أساطير قادرة على البقاء. أسطورة السواد هي على هذا الشكل: “في وقت من الأوقات، دمرت مدن السود، الأمريكان السود ذبحوا وحرموا من التصويت… إلخ. كل هذا حدث بسبب العنصريين. اليوم، لم تعد هذه الأشياء تحدث، ولذا، لم يعد هناك عنصريون”.
ينبغي منع تداول كلمة “عنصري”. إنها مثل كنزة ضغطت تماما بحيث أصبحت عديمة الشكل وفقدت وظيفتها. إنها تجعل النقاش النزيه مستحيلا، سواء كان حول وقائع صغيرة من مثل امتناع الأولاد الصغار عن تحية مربية سوداء، أو الوقائع الكبيرة من مثل تلك التي يمكن أن تستتبع عقوبة الإعدام. بدلا من النعت “عنصري” يمكن استخدام تعابير من مثل “حوادث تؤثر على السود سلبيا، على الرغم من أنها، ربما لتعقدها بسبب الطبقة أو عوامل أخرى، ما كانت لتحدث لو لم يكن المتأثرون سودا”. بالرغم من صعوبة استعمال مثل هذه التعابير. لعله ينبغي إضافة الاستدراكات: “هذه الأحداث لا تشمل كل غير السود”.
ثمة عديد القصص من مثل قصتي عن أفارقة يكتشفون السواد في أمريكا. قصص أناس ذهلوا لهذا السبب وامتعضوا أو ارتبكوا لأن الأمريكان كانوا خائفين منهم، أو أنهم اعتقدوا أنهم يناكفونهم أو يختبرون ذكاءهم بالمفاجآت. ومع ذلك، فإن الأكثر إذهالا بالنسبة إلي هي الطريقة الغريبة التي يتم بها الحديث عن السواد. بعد عشر سنوات من أول مرة دعيت فيها بيا “أختي” أصبحت أفكر في دون شيدل*** كأخ موهوب، ولكنني لم أتوقف عن إدراك أن الامتياز النسبي الذي حزناه كان بفضل بعوض غرب أفريقيا.
* Chimamanda Ngozi Adichie قاصّة وروائية نيجرية من مواليد 1977. تعيش الآن في أمريكا وتعتبر صوتا أدبيا أفريقيا جديدا ذا صيت عالمي. نالت عدة جوائز وترجمت أعمالها إلى ثلاثين لغة. ترجمنا لها عدة قصص.
** بطل رواية “الجذور Roots” للكاتب الأمريكي أليكس هيلي Alex Haley.
*** Don Cheadle ( 1964-) ممثل أمريكي أسود.