لوعة الفلاح والصابري
عبدالوهاب قرينقو
حين اندلاع الحرب ثم انطفائها
ليس أصعب من الخروج من
البيوتات الهانئات الدافئات إلا الرجوع إليها ..
. . . في منتصف الثمانينيات عرضوا لنا في سينما الكلية التي درست فيها في طرابلس فيلماً سينمائياً عن مآسي الحرب العالمية الثانية، عن ذاك الجندي الذي يعود إلى الديار بعد انخماد الحرب يصعد الدرج وينادي ولا أحد يرد عليه، لا الأب ولا الأم ولا الأشقاء، ربما رحلوا أو فروا من جحيم الغارات،أو قضوا وهم في طريقٍ إلى ملاذ .. ولن أنسى الحسرة واللوعة في عيني ذاك الجندي الشاب .. ولا الوحشة ولا الاغتراب الجديد العميق .. ليس أسوأ من الحروب وليس أسوأ من كل عنفٍ يقض مضجع الحياة أو بهجة الدنيا .
فيما أقرأ عن أصداء نهاية الحرب في بنغازي بعد تحرير أحياء الصابري وسوق الحوت ووسط البلاد في بنغازي المكلومة فاجأني الصديق الكاتب المسرحي”علي الفلاح” بلوعته ونصه المختزل الذي يقول الكثير ويحكي الكثير .. الفلاح أحد كتاب مسرح ليبيا وفنانيها الجميلين الذي لم يبخل بإبداعه ورؤاه، فقدم أبلغ وأهم عروض المسرح الليبي وبجماليات قل مثيلها، فقدم لنا ثلاثيته الرائعة عن ليل ليبيا : “جاك الليل” و “طاحن شناب الليل” و “شابن اهدوب الليل” .. كان ذلك في التسعينيات وكان الفلاح يقرأ مستقبله كإنسان ضمن ليل الوطن الطويل وقادم الأيام الليبية العصية فــ : (جاه وجانا الليل/ الليل .. وطاحن شناب الوطن وشابن اهدوبه) .. مع حرب لم تبق ولم تذر منذ 2013 فأخذت الصابري مقر سكناه ومأواه الصابري عرجون الفل الذي لم تفلح الحرب في ان يذبل فكل جميل لابد له ان يعود .. او هذا مانتمناه لهذا الحي ذائع الصيت في الوجدان الليبي .. وفاجأنا أخينا “علي” اليوم بالصور المحزنة الدامية للقلب .. كتبه تحت الانقاض والمكتبة والأشياء والذكريات التي والتي .
يقول الفلاح في نص نشره على صفحته يخاطب ابنه عن الحرب التي مرت من هنا وعن الكتب والذكريات واللوعة وعن مكتبته التي تعود من تحت رماد الحرب:
( هذه الحرب ،
وهذا الصابري ،
هذه بعض كتبي ،
وهذا القمر يتلصص من فجوة الهاون ،
هذه الحرب يا ولدي ،
وهذا الصابري ليل الحرس واللصوص
نهار النوم التعب ، ومكانس الذكريات .
ــــــــــــــــــ
خاص 218