لم يعد النفط أكثر الموارد العالمية أهمية، بل المعلومات
ترجمة خاصة لـ(TV218)
ذي إيكونوميست- The Economist
سلعة جديدة تفرخ صناعة سريعة النمو ومربحة، وتحث منظمي مناهضة الاحتكار على التحرك من أجل تقييد أولئك الذين يراقبون تدفق هذه الصناعة. فمنذ قرن مضى، كان النفط هو المورد محل العناية. الآن ظهر مستهلكون مماثلون نتيجة نشوء العمالقة المتعاملين مع المعلومات، التي أصبحت بمثابة نفط المجال الرقمي. هؤلاء العمالقة – ألفابِت (الشركة الأب لغوغل)، أمازون، أبل، فيسبوك، ومايكروسوفت، يبدو من غير الممكن إيقافها. إنها أكثر خمس شركات مهمة في العالم. أرباحها تتعالى: بلغت أرباحها الصافية مجتمعة 25 بليون دولار في الربع الأول من سنة 2017. حازت أمازون على نصف الدولارات المصروفة في أمريكا. غوغلوفيسبوك مسؤولتان، تقريبا، عن معظم النمو الحادث في دخل الإعلانات الرقمية في أمريكا السنة الماضية.
هذه السيادة دفعت إلى ظهور دعوات لعمالقة التكنولوجيا للانقسام إلى شركات صغيرة، على غرار ما حدث لستاندرد أويل بداية القرن العشرين. هذه الجريدة احتجت على مثل هذا الفعل المفاجيء والحاد في الماضي. الحجم وحده لا يشكل جريمة. فنجاح العمالقة أفاد المستهلكين. ولا يرغب في العيش بدون محرك البحث غوغل، وتوصيلات أمازون التي تستغرق يوما واحدا أو مواد فيسبوك، سوى القلة. كما أن هذه الشركات لا تشكل إنذارا حينما تتعرض إلى اختبارات مكافحة الاحتكار. وبعيدا عن ابتزاز المستهلك، فإن العديد من خدمات هذه الشركات مجاني (الدفع يتم، فعليا، عندما يطالب المستخدم بمزيد من المعلومات). انظر حساب المنافسين خارج الخط، وستجد أن نصيبهم من السوق أقل إقلاقا. وظهور محدثي النعمة مثل سنابتشات يشير إلى أن الداخلين الجدد للمجال مازال بإمكانهم إحداث تأثيرات.
إلا أنه ثمة ما يدعو إلى الانشغال. فسيطرة شركات الانترنت على المعلومات يمنحها قوة هائلة. الطريقة القديمة في التفكير بشأن المنافسة، التي اتبعت زمن النفط، بدت وقد تجاوزها الزمن في ما صار يدعى “اقتصاد المعلومات”. ثمة حاجة إلى مدخل جديد.
الكم له كيف يخصه
ما الذي تغير؟. الهواتف الذكية والانترنت أحدثت فيضا في المعلومات. فهي تتواجد في كل مكان وأكثر قيمة بكثير. فسواء كنت تمارس رياضة الجري، أو تشاهد التلفزيون، أو حتى تجلس فقط في وسيلة مواصلات، فافتراضيا كل نشاط ينشيء مسارا رقميا – مواد خام أكثر من أجل تقطير المعلومات. وبما أن الآلات من الساعات إلى السيارات موصولة بالإنترنت، فإن الحجم يزداد: البعض يقدر أن سيارة ذاتية القيادة تنتج 100 غيغابايتس في الثانية. في نفس الوقت تستمد تقنيات الذكاء الاصطناعي من مثل آلات التعليم قيمة أكبر من المعلومات. يمكن للغة رثمات أن تتوقع متى يكون المستهلك مستعدا لشراء، محرك طائرة يحتاج إلى صيانة، أو شخص مهدد بالمرض. عمالقة صناعة من مثل جي وسييمنس تبيع نفسها الآن كشركات معلومات.
هذا الفيض في المعلومات يغير من طبيعة المنافسة. كان عمالقة التكنولوجيا مستفيدين دائما من تأثيرات شبكات الانترنت: فكلما ازداد عدد المشتركين في الفيسبوك كلما جذب ذلك آخرين إلى الاشتراك. توجد، إلى جانب المعلومات، تأثيرات إضافية لتأثير شبكات الانترنت. لأنه من خلال جمع المزيد من المعلومات تتاح للشركة مساحة أكبر لتحسين منتجاتها، الأمر الذي يجتذب مستخدمين جددا، يولدون معلومات جديدة، وهكذا.
فكلما جمعت تسِلا معلومات أكثر عن سياراتها ذاتية القيادة، كلما مكنها ذلك من تحسين قيادة هذه السيارات لنفسها – وهذا جزء من السبب الذي جعل الشركة، التي باعت فقط 25000 سيارة في الربع الأول، تصبح أفضل الآن من جي. إم. التي باعت 2.3 مليون. فأحواض المعلومات الواسعة يمكنها، على هذا الأساس، التصرف كخنادق مائية حامية.
إتاحة الوصول إلى المعلومات يحمي أيضا الشركات من المنافسين بطريقة أخرى. فأن تكون متحمسا للمنافسة في صناعة التكنولوجيا يعتمد على احتمال أن يكون المسؤولون غير عارفين بداية عما إذا كانت في مستودع أو أنها نقلة تكنولوجية غير متوقعة. إلا أن هذا لم يعد مرجح الحدوث في عصر المعلومات. ذلك أن أنظمة المراقبة لدى العمالقة تشمل مجمل الاقتصاد: فغوغل تستطيع رؤية ما يبحث عنه الناس، وفيسبوك ترى في ماذا يتشاركون، وأمازون ماذا يشترون. إنهم يملكون مخازن الطلبات وأنظمة عمليات. إنهم “يمتلكون سعة رؤية إله” تحيط بالنشاطات الجارية في أسواقهم وما وراءها. يمكنهم رؤية متى ينجح منتوج أو خدمة جديدة، ويسمح لهم هذا باستنساخه أو يشترونه في انطلاقته هذه قبل أن يشكل خطرا. كثيرون يعتقدون أن شراء فيسبوك لـ واتساب البالغ مقدارها 22 بليون دولار خطأ تطبيقي مع أقل من ستين موظفا، يمكن تصنيفها تحت خانة “حسم عملية شراء” تنهي احتمال ظهور منافسين. بوضع أنظمة إنذار مبكر وحواجز على الدخول يمكن للمعلومات إعاقة التنافس.
من ستسميهم مكافحي الاحتكار؟
طبيعة المعلومات تجعل إصلاحات القوانين القديمة المضادة للاحتكار أقل فائدة. فتجزئة شركة مثل غوغل إلى خمسة غوغلات لن يوقف تأثيرات شبكات الإنترنت من إعادة فرض نفسها: ففي فترة ما ستسود إحداها مجددا. لذا يتطلب الأمر إعادة تفكير جذرية – وبما أن الخطوط الرئيسية للمجال الجديد بدأت تتضح، تطرح فكرتان.
الأولى هي أن سلطات مكافحة الاحتكارات تحتاج إلى الانتقال من مجال الصناعة إلى القرن الواحد والعشرين. فعندما يقيمون، على سبيل المثال، الدمج يستخدمون تقليد النظر إلى الحجم لتقرير متى يتدخلون. الآن يحتاجون إلى الأخذ في الاعتبار مدى وفرة أصول المعلومات لدى الشركة حين يقدرون تأثير الصفقات. يمكن أيضا الشراء أن يكون مؤشرا على أن الضام يشتري تهديدا ناشئا. وفق هذه المقاييس يمكن لدفع فيسبوك هذا المبلغ لـ واتساب، الذي ليس له دخل يذكر، أن يرفع الرايات الحمراء. على وكالات مكافحة الاحتكارات هي الأخرى أن تتوفر على معلومات أكثر كفاءة في تحليلاتها لآليات السوق، من خلال استخدام، على سبيل المثال، نماذج محاكاة لاصطياد آليات إبقاء الأسعار عالية، أو لتقرر أفضل طريقة لتشجيع المنافسة.
المبدأ الثاني هو أن إرخاء قبضة مقدمي خدمات الخطوط على المعلومات ومنح مزيد من السيطرة لأولئك الذين يقدمونها. مزيد من الشفافية سيكون مفيدا: يمكن إرغام الشركات على الكشف للمستهلكين عن نوع المعلومات التي تحتفظ بها وحجم الأموال التي تجنيها من ورائها. يمكن للحكومات أيضا تشجيع ظهور خدمات جديدة من خلال فتح خزائن معلوماتها أو إدارة أجزاء حساسة من اقتصاد المعلومات باعتبارها بنية تحتية عامة، مثلما تفعل الهند مع نظام الهوية الرقمية لديها. يمكن للحكومات كذلك وضع قانون يحدد المعلومات التي يمكن مشاركتها برضا المستخدمين – وهو المدخل الذي تسلكه الآن أوروبا بخصوص الخدمات المالية من خلال الطلب من المصارف جعل معلومات الزبائن متاحة لأطراف ثالثة.
إعادة تأهيل مكافحة الاحتكار في عصر المعلوماتية لن يكون هينا. سوف يتضمن مخاطر جديدة: بعض مشاركات المعلومات، على سبيل المثال، يمكن أن تنتهك الخصوصية. لكن إذا لم ترغب الحكومات في سيادة قلة من العمالقة على اقتصاد المعلومات، فعليها التحرك السريع.
*ظهر هذا المقال في قسم القادة في النسخة الورقية تحت عنوان: “المورد الأكثر أهمية عالميا”.