“لمّا يهرب الضي”.. ما تنساش ليبيا فيها رجال
يتوسّد فراشه وينتظر مجيئه، ينتظر ساعات متأملا اللا شيء، وللحظات يُفكّر بعدها، ماذا لو نمت وجاء..؟ أو ما الذي سيحدث لو أنهم خرجوا وأخبرونا لماذا؟.. كان يعرف كل خطأ فيها وكان يحاول أن يصلحه، كل هذا يحدث في ظلام دامس، وهذه ليست قصة من وحي الخيال، لأن أبطالها يسكنون ليبيا ويطمحون لأن تسكنهم، قبل أن يكبر أطفالهم ويتعوّدون على الظلمة، وغياب الطمأنينة، التي عادة ما تختزلها حكاية أخرى، تكتمل مع نهاية سعيدة، لحظة عودة الأطفال إلى بيوتهم من المدرسة، دون خطف أو قتل، أو اختفاء.
ولأن الأزمات في ليبيا أصبحت تحتكر البسيط ومن لا يملك قوت يومه، بسبب أزمة السيولة التي طال انتظارها، ويليها أزمة انقطاع الكهرباء، التي لا يهنأ لها بال، إلا حين تُذكّره أنها موجودة في كل تفاصيل حياته، ما تزال هذه الأزمة تؤرق الجميع، ما تزال قصتها متواصلة، لا تكتمل فصولها إلا في لحظات بعينها، حين يأتي “الضي” للحظات، أو حين يخرج مسؤول يكشف أسباب الأزمة، ويعد بأنها في طريقها إلى الحل.
وهذه “الخُرّافة” لي حكاية معها، اقتربت منها وتعرّفت على ملامح وجهها، وواجهتها دون أن أنتصر في النهاية، لأنني لم أكن قويا.. كانت لعنة وستظل لعنة.
في منتصف سنة 2013 أتيحت لي الفرصة لأن أكون “شاهد عيان” مع بعض “رجال الكهرباء” لحظة صيانتهم لأحد محطات التوليد، وكان الوقت حينها، الثانية ظهرا، سألت الفني الذي كان يُجهّز نفسه ليتسلّق أحد الأعمدة الضخمة، ليُصلح ما أفسده تُجّار الحروب، ما الذي يجعلك تُصلح هذا الخطأ، الذي لم تتسبب فيه وما هو دافعك؟ على الفور كانت إجابته: “بنتي ومراتي”.. ثم أردف قائلا: لو كنت مكاني “شنو إدير”.. وتسلّق العمود وبعدها بنصف ساعة أو أكثر، أخبرني زميل لهُ أن الخطأ قد تم إصلاحه، وأن باقي زملاءه يستعدون لدخول المنطقة التي بعدها، لأن الأعطال التي فيها تحتاج ليوم أو أكثر، ويجب أن يبدأوا فيها قبل نهاية اليوم.
ما لم أحكه في هذه القصة، شيء آخر يختلف عن ما حدث في تلك السطور، وتعمّدت أن أتركه للحظات. بعد السؤال الذي كان ثقيلا على أحد أبطالنا الحقيقيين لا هؤلاء، الذين مللت من ذكرهم.
لحظة تجهيزه للمعدات التي ستساعده في إنجاز مهمته، وقفت سيارة أحد مسؤولي المنطقة، ومعه بضع مرافقين، تأملوا الموقف، وبدأوا يطرحون الأسئلة على موظفي شركة الكهرباء، ويثنون بعدها على جهدهم في إرجاع الكهرباء للناس، ثم بعدها وقف المسؤول بكل جُرأة، وفي يده حزمة “كروت ليبيانا ومدار” وقال لفني الكهرباء الذي كان يستعد لأن يقوم بواجبه، خُد كرت ليبيانا ومعه كرت مدار، أنتم تستحقون هذا، في هذه الأثناء لم يأت الرد سريعا من الفني، بل ضحك ووقف أمام إحدى السيارات التابعة لقسم الصيانة، وقال للمسؤول: “كان بنعدّو بالّوات الضي في ليبيا وعلى كل بالّو بناخد كرت، يمكن نبيعهم وبحقّهم نصلّح بيهم الكهرباء، شد الكروت عندك، مش محتاج”!