مقالات مختارة
لماذا يصعب التنبؤ بالاقتصاد في أميركا؟
نشر في: 03/01/2020 - 20:57
غاري شيلينغ
شهد الاقتصاد الأميركي أبطأ انتعاشة له من حالة الركود منذ زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكلما طال أمد التباطؤ زاد الدليل على أن الأنماط الدورية الطبيعية مفقودة، ويعني غياب تلك الأنماط أن المشاركين في السوق لا ينبغي عليهم الاعتماد عليها للتنبؤ بمستقبل الاقتصاد.
فقط فكر في ذلك العديد الذي لا يحصى من التطورات غير النمطية، أو حتى في عكس السلوك الطبيعي في السوق المالية والاقتصادية. فقد تحول «الفيدرالي» الأميركي من تخفيف الائتمان إلى تشديده بعد فترات الركود، مع رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية المستهدفة عادة في غضون عام أو نحو ذلك بعد أدنى فترة ركود، مما يعجل من حدوث الانكماش الاقتصادي القادم. هذه المرة، أبقى البنك المركزي سعر سياسته عند أدنى مستوى له من الركود عند الصفر حتى ديسمبر (كانون الأول) 2015 بعد 78 شهراً من الانتعاش. وبعد ذلك، تحديداً بعد زيادة بمقدار تسع نقاط مئوية، انعكس المسار بداية العام الجاري بثلاثة تخفيضات في نسب الفائدة.
بعيداً عن المخاوف العادية لمجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن الاقتصاد المحموم والتضخم، يخشى البنك المركزي أن تتسبب أسعار المستهلكين المنخفضة في زيادة التوقعات بحدوث انكماش. سيضطر المشترون الى الانتظار تحسباً لتراجع النسبة، وسيزداد المخزون والقدرة الإنتاجية الزائدة، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار. إن تراجع الأسعار وتأخير عمليات الشراء يؤكد تلك الشكوك، مما يتسبب في حدوث دوامة من الانكماش الاقتصادي.
كذلك على الرغم من الانخفاض في معدلات الرهن العقاري الثابتة على مدار 30 عاماً من 6.8 في المائة في يوليو (تموز) 2006 إلى 3.7 في المائة الحالية، بدأت المساكن المصممة لأسرة واحدة في التراجع. فقد تراجع السعر من 1.8 مليون دولار في يناير (كانون ثاني) 2006 إلى 350 ألف دولار في مارس (أذار) 2009 مع انهيار سوق الرهن العقاري عالي المخاطر، لكنها عادت الى الارتفاع لتقف عند سعر 940 ألف دولار فقط.
تم تشديد معايير الإقراض العقاري ولم يكن لدى مشتري المنازل لأول مرة في البداية المدفوعات المسبقة اللازمة. فقد تراجعت القيمة الصافية للأسر ضمن الفئة العمرية ما بين 18 – 34 عاماً من 120 ألف دولار عام 2001 إلى 90 ألف دولار عام 2016، أي بنسبة 44 بسبب التضخم.
في حالات تعافي الأعمال خلال الفترة الماضية، انخفض معدل ادخار الأسر في الولايات المتحدة حيث زاد الإنفاق الاستهلاكي بشكل أسرع من الدخل. وفي هذا التوسع، حدث العكس، حيث قفز من 4.9 في المائة إلى 7.9 في المائة في نوفمبر (تشرين ثاني)، مما أدى إلى تأخير الإنفاق.
في طفرات الأعمال السابقة، فإن انخفاض معدل البطالة لأي مستوى مثل الانخفاض من 10 في المائة في أكتوبر (تشرين أول) 2009 إلى نسبة 3.5 في المائة الحالية كان من شأنه أن يؤدي إلى تضخم كبير في الأجور. هذه المرة، فإن الأجور الحقيقية تنمو بالكاد. ومع نمو اقتصاد «عند الطلب» – مثل شركة «أوبر تكنولوجيز» – فإن الكثير من الناس يعملون في التجارة المرنة خلال ساعات العمل مقابل أجر منخفض. في حين أن الوظائف الثابتة الراتب تنحصر في الغالب في القطاعات ذات الأجور المنخفضة مثل تجارة التجزئة والترفيه والضيافة.
لسنوات طويلة، ظلت السياسة الخارجية تعتمد على الحزبين واعتبر توسيع التجارة أمراً مرغوباً فيه. الآن جرى التغلب على العولمة من قبل الحمائيين، مدفوعين في ذلك من قبل الناخبين الذين أزعجتهم القوة الشرائية الراكدة وارتفاع الدخل وعدم المساواة في الأصول في دول مجموعة السبع. وكان انتخاب ترمب في 2016، إلى جانب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من ضمن النتائج. وهناك أيضاً زوال الصفقات التجارية العالمية التي يتم الاستبدال بها اتفاقيات ثنائية أو بدون اتفاقيات على الإطلاق.
لا شك في أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين سيستمر لأن الصين تحتاج إلى تقنيات غربية لتنمو وتحقق طموحاتها القيادية في جميع أنحاء العالم. لكن الولايات المتحدة تعارض عمليات نقل التكنولوجيا التي تريدها الصين.
وقد شجع انخفاض الدولار من عام 1985 حتى عام 2007 على زيادة الصادرات الأميركية وكبح جماح الواردات وزاد من أرباح الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر الدولار بواقع 33 في المائة وسط زيادة الطلب العالمي على زيادة الأصول في الملاذات الآمنة، وهو ما يجب أن يستمر نظراً للنمو الأسرع نسبياً للاقتصاد الأميركي، وأسواقه المالية الضخمة والحرة والمفتوحة.
وقد شجع انخفاض الدولار من عام 1985 حتى عام 2007 على زيادة الصادرات الأميركية وكبح جماح الواردات وزاد من أرباح الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر الدولار بواقع 33 في المائة وسط زيادة الطلب العالمي على زيادة الأصول في الملاذات الآمنة، وهو ما يجب أن يستمر نظراً للنمو الأسرع نسبياً للاقتصاد الأميركي، وأسواقه المالية الضخمة والحرة والمفتوحة.
لقد تراجع التضخم منذ عام 1980 لكن أسعار الفائدة الحقيقية ظلت إيجابية حتى العقد الماضي. لكن على مدى 10 سنوات حتى الآن، ظلت عوائد سندات الخزانة الحقيقية ثابتة عند مستوى الصفر. في وقت سابق، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يديره خبراء اقتصاد حاصلون على درجة الدكتوراه تشبثوا بالنظريات الشائعة على الرغم من عدم نجاحها. وقد أثبت رئيس مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أنه أكثر واقعية وعملية بكثير، حيث ابتعد عن سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الجامدة.
في ظل هذا المناخ الاقتصادي المختلف، فإنه من الصعب تحديد وقت الانتعاش الحالي. ومع ذلك، سينتهي هذا الأمر إما بسبب زيادة الاحتياطي الفيدرالي أو الأزمة المالية مثل أزمة dot-com 2000 أو انهيار الرهون العقارية عالية المخاطر في 2007-2009.
لا توجد أزمات مالية في الأفق، لكن هناك احتمالات بحدوث بعضها بسبب الديون الزائدة في الصين والديون بين الشركات الأميركية، وتصاعد الحرب التجارية، وتقليص حجم الاستهلاك مما يؤدي إلى انكماش واسع النطاق، وأرباح الشركات المخيبة للآمال قياسا الى أسعار الأسهم المرتفعة. فقط راقب الاختلالات المحددة، وليس الأنماط السابقة المعتادة.