لعبة Among Us والاستغلال الأمثل لعلم النفس السلوكي!
إذا حاولنا إجمال النتائج الإيجابية لعام 2020 بالنسبة لصناعة الألعاب، فسنخلُص بالتأكيد إلى كونه العام الذي أثبت أن شعبية اللعبة، لا يجب بالضرورة أن تقترن بالميزانية.
الحجر الصحي لفيروس كورونا المستجد أجبر الناس على المكوث بمنازلهم، وهنا ازدهرت صناعة الألعاب بشكلٍ غير مسبوق، وكان يجب تقديم ألعاب جديدة للسوق. ومع تقديم ألعاب عملاقة من حيث الميزانيات والقدرات الجرافيكية، أتت من الناحية الأخرى ألعاب بسيطة للغاية وميزانياتها ككل ربما لا تساوي ميزانية مجرد قسم فرعي في لعبة AAA عملاقة. والشيء المميز فعلًا، هو حصول ألعاب الإندي تلك على شعبية طاغية، مقارنة بالألعاب الضخمة.
المثال الأقرب للأذهان هنا هو لعبة Among Us، تلك اللعبة التي طفت على السطح في 2018، واكتسبت شهرتها الطاغية في 2020، بعد عامين كاملين من تطويرها. بعدها بُثَّت الروح فيها من جديد؛ لكن عوامل النجاح التي تلت الإشهار، هي التي تستحق التحليل والتفنيد بحق.
الغلاف النفسي للعبة Among Us
فكرة اللعبة بسيطة للغاية: اكذب بشكلٍ أبرع، تفز بشكلٍ أسرع.
الأمر كله يدور حول تعلم –بل وإتقان- آليات الكذب والتحوير، حيث إنه لا يجب أبدًا أن تخرج الحقيقة من فاه الدخيل، وإلا انتهت الجولة لصالح أفراد الطاقم. والعكس صحيح، على أفراد الطاقم بذل كل الطاقات الممكنة، لمحاولة عدم إظهار صدقهم؛ على أنه كذب فاشل من دخيل لم يتعلم الكذب باحترافية بعد؛ فبالتالي يخسرون عن غير قصد.
اللعبة ككل تطرح مفهومين على الطاولة: الصدق والكذب. في بعض الأحيان قد يظهر الصدق كذبًا، والكذب صدقًا، ولأن الأمر نسبيّ في النهاية؛ فدائمًا ما يكون الفيصل في الحكم في التصويت الديمقراطي.
الأمر مشابه جدًا للحياة الواقعية، فلا يمكن للعبة أن تجذب الجمهور بهذا الشكل، إلا إذا كان لها ارتباط وثيق مع حياة اللاعب. الشيء العبقري هنا هو أن الارتباط ليس مباشرًا، بل هو غير مباشر؛ ومعتمد في المقام الأول على الرغبات الدفينة للإنسان للخروج عن النمط الأخلاقي للحضارة الحديثة. أول شيء مكروه ومنبوذ في الحياة، هو الكذب.
تستطيع الكذبة الواحدة أن تسحق بلدانًا بأكملها، وقد تُحيل حياة أحدهم لنعيمٍ لا يستحقه؛ بينما غيره في شقاء أبد الدهر. في المحاكم يجب القسم على كتابٍ مقدس، وفي الأحكام العرفية يجب القسم على من نحب ونعشق؛ لأن الكذب فعلًا فادح، ويجب تقويضه بكل ما يمثل للمرء رادعًا أخلاقيًّا.
مكنت اللعبة الإنسان من فعل ما لا يستطيع فعله في الحياة الواقعية؛ الكذب. هنا لا توجد تبعات لذلك الفعل غير الأخلاقي، الأمر في النهاية سيتمثل في فوز أو خسارة، بداخل فقاعة افتراضية، لا يوجد فيها أذى جسدي؛ فلا ضير من الكذب حتى النخاع.
ونفس الأمر يمكن تطبيقه على كل ألعاب الشوتر مثلًا، فهي تُعطي للاعب فرصة القتل، ذلك الفعل الوحشي الذي لا يستطيع تنفيذه في الحياة الواقعية. الفكرة ليست في أن اللاعب يحب فعلًا القتل أو الكذب؛ بالعكس، فهو ينبذ كليهما تمامًا؛ لكن على الدوام ما توجد رغبة دفينة في فعل كل ما هو محرم بداخل العقل الباطن، وكما يقول المثل الدارج: كل الممنوع، مرغوب.
الإشهار المفاجئ وعلاقته بأزمة الفيروس
عندما صدرت اللعبة منذ عامين، حصلت على شعبية مؤقتة، لكن مثلها مثل أي لعبة إندي أخرى، سرعان ما خبا بريقها. لكن في 2020 عادت للساحة من جديد على يد مجموعة Streamers على أكثر من منصّة بث مباشر؛ أبرزهم تويتش بالطبع (خصوصًا بعد أن عاد إليها شراود واكتسبت شعبية أكبر).
ذلك الأمر لفت نظر اللاعبين إلى Among Us، وصُدموا أن لعبة بتلك الفكرة المسلية جدًا، صدرت سابقًا ولم تحصل على المديح الذي تستحقه على الإطلاق.
لكن مع ترك كل هذا جانباً، وعند النظر للأمر بعيدًا عن كونه مجرد تريند يأتي بدون تخطيط أو صنع آلية تسويقية؛ فهناك سبب نفسي أيضًا خلف وصول اللعبة لمرحلة (التريند) بفضل بعض الستريمز في بعض المنصّات؛ وعلى نطاق محدود في البداية أيضًا. والسبب النفسي هو الحاجة الملحة لشيء بسيط، سهل، مسلي، غير مرهق، وعندما تحتاجه؛ تجده.
في وقت الحجر الصحي الناس مهمومة باستمرار، والرغبة في القيام بأي شيء ممتع تقريبًا شبه منعدمة، والاكتئاب يزحف على النفس والعقل ببطء، وهنا أتى دور اللعبة التي تمثلها فيها كل العناصر سابقة الذكر، من أولها لآخرها.
فمساحتها صغيرة للغاية على الهاتف والحاسوب، كما أنها لا تعتمد على ارتداء سماعة والحديث مع الآخرين بشكلٍ إجباريّ لكي يتم تخطي المرحلة مثلًا، الكتابة هي الحل الأمثل لمصابي الرهاب الاجتماعي؛ نفس الرهاب الذي ساعد على تقويته الحجر الصحي للفيروس المستجد، فالوضع مريح تمامًا لجميع الأطراف.
لقمة سائغة يجدها اللاعب أمامه بمجرد كبسة زر، حالة شعورية تجمع بين الحماس تارة، والهزل تارة أخرى، وكذلك تجربة كذب خالية من المخاطر الواقعية؛ كلها عناصر جعلت Among Us فعلًا لعبة محبوبة من قبل الجميل، واستطاعت بسهولة أن تسحب البساط من أسفل Fall Guys.
فيبدو أن الناس من طول مدة البقاء بالمنزل، أرادت عقولهم العمل قليلًا عبر لعبة دهاء، بدلًا من مجرد القفز بشخصيات (فولية الشكل)، لتتأرجح هنا وهناك بدون إعمالٍ عقليٍّ ما.
مجتمع اللعبة ودوره في التطوير
حاليًّا تحتل اللعبة قوائم الصدارة على أغلب منصّات البثّ المباشر، حتى أن مقاطعها على يوتيوب عددها مهول الآن، ودائمًا ما تقترح الخوارزمية إياها للجمهور الذي يحب ألعاب الإندي تحديدًا. تفنن الناس مع الوقت في مديح اللعبة بشكلٍ أو بآخر، فمع الوقت أصبح هناك (مجتمع) كامل يضم كل اللاعبين، وللمجتمع بالطبع ضوابط وأحكام؛ وكذلك مساهمات.
والمساهمات هي التي جعلته واحدًا من المجتمعات المبهرة من الخارج والداخل على حدٍ سواء. يتميز أفراد المجتمع هنا بحسّ الفكاهة العالي (نظرًا لطبيعة اللعبة)، وأيضًا تقبل كل شيء وأي شيء على أرض الواقع، لأن اللعبة علمتهم ذلك بالفعل. كما أن جانب مساهمات المحتوى المرئي لا يستهان به أبدًا.
استطاع اللاعبون تقديم مكتبة عملاقة من الرسومات، مقاطع الفيديو، تصميمات الـ 3D، التسجيلات الصوتية، الخرائط المبتكرة، والكثير والكثير من الأشياء التي تجعل عالم اللعبة غنيًّا بالتفاصيل، حتى وإن كانت غير رسميّة على الإطلاق.
هذا بدوره شجّع المطورين في البداية على صنع جزء جديد تحت عنوان Among Us 2، لكن سرعان ما تم سحب المقترح، واكتفى الفريق بطرح فكرة موسم جديد فقط ليس إلا، لنفس الجزء الموجود على الساحة.
لا أحد يعلم الوضع المالي للفريق حاليًّا، لكن حتى وإن توقفت اللعبة تمامًا وسُحب الدعم المالي عنها، ستستمر في الوجود بفضل وعد الفريق للجمهور بإصدارها كنسخة مفتوحة المصدر للجميع.
باختصار، لدى اللعبة قدرة كبيرة على التطوير، وهناك الكثير من الإضافات التي يُمكن أن توضع في الفترة القادمة؛ خصوصًا بالموسم الثاني الذي ينتظره الجميع الآن على أحرّ من الجمر. أجل صدرت اللعبة منذ عامين، لكن يبدو أن الفائدة الوحيدة للجائحة؛ هي منحها الحق الذي لم تأخذه في الماضي.