لعبة أردوغان.. “جنود وجواسيس ونهم للسلطة”
نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، الجزء الأول من سلسلة تبحث في طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجيوسياسية، من إفريقيا إلى العلاقات الإشكالية مع الاتحاد الأوروبي.
فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قام رئيس الوزراء أردوغان بغزو عسكري لسوريا وشمال العراق، وأرسل قوات إلى ليبيا واشترك في مواجهة بحرية مع اليونان.
وكان قرار أردوغان بوضع كل طاقته وراء أذربيجان في معركتها مع أرمينيا حول إقليم كاراباخ هو تجسيد لسياسة خارجية لا هوادة فيها وإظهار لقوة غاشمة، على الرغم من مطالبة الدول الغربية بوقف إطلاق النار. وكان هذا آخر تمظهرٍ لموقفه القوي في السياسة الخارجية التي تميزت باستخدام القوة.
“الجنود والجواسيس”
وكشف تقرير الصحيفة كيف اعتمد الرئيس التركي على “الجنود والجواسيس” بدلاً من الدبلوماسية، في علاقاته بالدول، وتسيير شؤون البلاد الداخلية. ولفتت الصحيفة إلى أن أردوغان “نادرًا ما يُرى دون رئيس المخابرات هاكان فيدان ووزير الدفاع خلوصي أكار إلى جانبه”.
تدخّل في شؤون الدول
طوال السنوات الخمس الماضية، قام أردوغان بتوغلات عسكرية في سوريا وشمال العراق، وأرسل قوات نظامية ومرتزقة إلى ليبيا، وشارك في مواجهات بحرية مع اليونان، ما أثار غضب حلفاء تركيا في الناتو، وأعاد إشعال الخصومات القديمة وولدت أعداء جدد.
ويقول التقرير إن الرئيس التركي، والذي وصل حزبه إلى السلطة في عام 2002، سعى دائما إلى تصوير نفسه على أنه صاحب رؤية “تجعل تركيا عظيمة مرة أخرى” في الداخل والخارج. ويقول مراقبون إن محاولة الانقلاب التي قام بها الجيش في عام 2016، شكلت قطيعة في تعامل تركيا مع بقية العالم.
وبحسب “فاينانشيال تايمز”، فقد أصبح أردوغان أكثر قرباً من الرئيس الروسي بوتين، ودفعته المحاولة الانقلابية إلى تشكيل تحالفات سياسية جديدة في الداخل، ومكنته من تولي سيطرة غير مسبوقة على الدولة.
وفي خطاب ألقاه بعد ثلاثة أشهر من محاولة الانقلاب، قال أردوغان إن البلاد لن تنتظر بعد الآن المشاكل أو الخصوم “ليطرقوا بابنا وبدلاً من ذلك سنذهب ونجدهم أينما وُجدوا وسنتعامل معهم بشدة”.
العزف على وتر الدين
أحياناً يخاطب أردوغان قاعدته الدينية المحافظة من خلال تصوير نفسه كزعيم للعالم الإسلامي، ويقول التقرير إن هذه الاستراتيجية الخارجية تنطوي على مخاطر كبيرة، سواء بالنسبة للاقتصاد أو العلاقات مع القوى الإقليمية والعالمية، وذكر مثالاً على ذلك تراجع شركة تصنيع السيارات الألمانية “فوغس فاغن” عن إنشاء مصنع في تركيا بعد الانتقادات الدولية للاعتداء التركي على القوات الكردية في سوريا عام 2019.
ووفقا للتقرير أنه بينما كان المبدأ التوجيهي للسياسة الخارجية التركية قبل 10 سنوات، هو “صفر مشاكل مع الجيران”، يمزح المحللون الأتراك الآن بأن الشعار الجديد هو “صفر جيران بلا مشاكل”.
أيضا يصف منتقدو سياسة أردوغان الخارجية بأنها استدعاء لـ “عثمانية جديدة”، في إشارة إلى الإمبراطورية التي سيطرت على جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا.
لكن الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، “سينم أدار” قال للصحيفة “لا أعتقد أن تركيا كانت منعزلة إلى هذا الحد في تاريخها” ثم تابع “هناك جبهة آخذة في الاتساع من الدول التي تتصدى لتركيا”.
تقزيم دور الدبلوماسية
يؤكد تقرير الصحيفة أن تبنّي النظام الرئاسي في تركيا أدّى إلى إضعاف دور وزارة الخارجية التركية في البلاد، والتي كانت تقليديًا موطنًا لرجال الأعمال الذين رأوا ضرورة التوجه الطبيعي لتركيا نحو الغرب.
وبينما انتقد حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه الأب المؤسس لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان شعاره “السلام في الوطن، السلام في العالم” اللغة غير الدبلوماسية لأردوغان، بدا الحزب مترددًا في الخروج ضد السياسات التي أثبتت شعبيتها لدى الجمهور.
كذلك أشار التقرير إلى أنه عندما تلاشت آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وسط انعدام الثقة واتهامات بسوء النية من الجانبين، تحوّل أردوغان إلى بناء علاقات أقوى مع جيرانه العرب. ومع ذلك فإن سياسته أثمرت نتائج عكسية، حيث اجتاحت الانتفاضات الشعبية المنطقة، وامتدت الحرب السورية إلى تركيا في شكل هجمات إرهابية وإغراقها بملايين اللاجئين.
لكن العمليات العسكرية التركية في سوريا وليبيا ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، دفعت أنقرة في طريق ضد تحالف عربي قوي في المنطقة.
ويشير التقرير إلى شعور أوروبا باليأس حيال تراجع حقوق الإنسان في بلد لا يزال من الناحية الفنية مرشحًا للانضمام إلى الاتحاد. ويشير كذلك إلى غضب واشنطن من قرار أردوغان شراء نظام دفاع جوي من طراز S-400من روسيا، والذي أدى الشهر الماضي إلى فرض عقوبات أميركية “طال انتظارها” وفق التقرير.