اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

لسان حال الإسلام السياسي: اليوم كابول وغدا بنغازي!!!

سالم العوكلي

هل كانت صدفة أن تستولي الجماعة الحوثية على سلاح الجيش اليمني خلال شهر واحد، وأن تستولي داعش على سلاح الجيش العراقي الأمريكي خلال شهر واحد، وأن تستولي حركة طالبان على سلاح الجيش الأفغاني الأمريكي في شهر واحد؟.

أنا شخصيا أعتقد في مبدأ المؤامرة لكنه لا يرقى إلى مستوى النظرية، كما يسميه غالبا.

غير أن التوجس مما يسميه البعض “نظرية المؤامرة” التي أصبحت تهمة أو مسبة يواجه بها كل من يحاول أن يربط الأحداث والوقائع بسلاسل سببية تؤكد هذا المبدأ، والتوجس منها يصبح حقيقيا حين تتحول إلى وسواس قهري تجعلنا نغمض عيوننا عن إخفاقاتنا الذاتية التي تسهم في نجاح المخططات أو تسهم في انحدار أوضاعنا. مبدأ المؤامرة فاعل بقوة، وبمجرد أن نقرأ التاريخ منذ القدم إلى هذه اللحظة، فسنكتشف أننا في الواقع نقرأ رواية ملحمية تحركها المؤامرات، العلنية والسرية. وأجهزة الاستخبارات وأذرعها السرية التي تنتشر فروعها في سفارات العالم ؛ والتي يصرف عليها التريليونات، مهمتها المعلنة أوغير المعلنة هي إدارة المؤامرات. والتهم الموجهة الآن إلى الصحفي ويكيليكس التي قد تعرضه لحكم بالسجن 150 سنة، تتعلق بتسريبه ملايين من الوثائق التي تكشف أسرارا المؤامرات التي حاكتها إدارت الولايات المتحدة المتعاقبة، ما شكل تهديدا لأمنها القومي وتشويشا على علاقاتها مع النظم الحليفة في العالم كما يقول المتحمسون لتسليم ويكيليكس للعدالة الأمريكية.

ولكن، ورغم كل هذا، فلنتحاشى هذا المصطلح المستفز لمن يرون التسليم بمبدأ المؤامرة نوعا من الهواجس المرضية، ولنسمها اسما مهذبا يهديء من روعهم (صراع مصالح). فما مصلحة الدول الكبرى في أن تستولي جماعات دينية متطرفة على ترسانات جيوش نظامية في منطقة هي في الأساس تعاني لعقود طويلة من اضطرابات توتر ينعكس على استقرار العالم كله؟

السؤال معقد، ولا يمكن الإجابة عنه بسهولة ، لكن خلق بؤر للتوتر الدائم في هذه المناطق يبدو أنه يفيد اقتصادات هذه الدول ويخدم تمدد نفوذها، ويبرر تدخلها في أي وقت دون الحاجة إلى ترخيص دولي، وهذا ما حدث مرارأ، وحين اقول حكومات دول فإنها في الواقع مجرد حلقات في تراتبية من السلطة، أو النظام أو السيستم العابر للحدود الذي يحكمها ويحكم العالم .

مع انتصار الرأسمالية ومعسكرها العسكري والاقتصادي وشبه انفرادها بالعالم، تحولت السلطة أو النظام الذي يحكم العالم إلى لب هذه الرأسمالية متمثلا في اللوبيات القوية التي تسيطر على اقتصادات الأرض المهمة، لوبيات كثيرة لكنها أهمها: تجارة السلاح ، وتجارة الطاقة، وتجارة المخدرات، وتأتي تجارة الأدوية واللقاحات بعدها. ومن المفارق أن هذا النظام الذي يمكن تسميته بالنظام الرسمي تمثله كل هذه اللوبيات ما عدا لوبي المخدرات الذي يمثل تُرك التحكم فيه للعصابات و حركات التمرد في العالم، من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار، من حركات يسارية ماركسية متطرفة إلى جماعات دينية متشددة، وجميعها توضع تحت تصنيف الجماعات الإرهابية وفق الميزان الدولي الذي يتحكم فيه النظام الرسمي بحكوماته الديمقراطية والدكتاتورية.

وهذه المنطقة، الشرق الأوسط والأدني، التي تكثر فيها أسباب النزاع المسلح العرقية والمذهبية والتي تشمل أهم المضائق لعبور التجارة العالمية، كما تتمتع بمخزونات ضخمة من الطاقة، تشكل ملعبا او سوقا مهما لهذه اللوبيات كي تتحرك تجاراتها التي بها تتحكم في حكومات وانتخابات وسياسات أقوى الدول.

نحن الآن نتفرج يوميا على مبدا المؤامرة الذي ينقل مباشرة في جميع وسائل الإعلام، وعلى هذه المشاهد السريالية التي لن تخطر على بال مفجري الواقعية السحرية في السرد المجنح خيالهم، فبعد 20 سنة من حكم الولايات المتحدة لأرض افغانستان الشاسعة، وبعد أن صرفوا على هذه المغامرة 2 تريليون دولار، وأشرفوا على عديد الانتخابات والحكومات، وأسسوا لجيش بعض جنوده ولدوا في العام 2001 ، عام ضرب برجي التجارة في منهاتن الذي أدى إلى اجتياح أفغانستان وطرد طالبان من كابول ومن معظم الولايات، بعد هذين العقدين تعود طالبان أكثر قوة وتنظيما وكأنها كانت في إجازة، أو كأن الجيش الأمريكي كان يدرب طيلة العقدين حركة طالبان وليس الجيش الأفغاني، وخط السير الذي اتخذه جماعة طالبان للوصول إلى كابول سيستغرق نفس الزمن لو عبره شخص في سيارة مرسيدس مكيفة لن تعطلها إلا بعض الطرق المكسرة أو الانعطافات.
فماذا حصل؟ لا أحد يعرف أو سيعرف قريبا إلا إذا ــ ربما ــ ظهر شخص آخر مثل ويكيليكس ليزودنا بأسرار هذه الحرب واسرار الوجود الأمريكي مع حلف الناتو لعقدين وكأنهما لم يوجدوا هناك قط.

أما حكام الدول التي كانت تراقب عن كثب رؤساء دول وصلوا إلى السلطة عبر الانتخابات وفي ظل دساتير ، فإنهم يتحدثون عن طالبان تختلف عن طالبان قبل 20 سنة، ويضعون شروطا للاعتراف بحركة دينية متشددة ومسلحة كانت قبل أيام في قوائمهم للإرهاب، وكانت قبل أسابيع مازالت تنفذ عمليات تفجير انتحارية في الأسواق والفنادق. وأصبح همهم الوحيد إجلاء رعاياهم من مطار يحتشد فيه عشرات الألاف من الأفغانيين الراغبين في الخروج بأي وسيلة ولو بالتعلق بإطارات الطائرات التي تقلع من مطار كابول، ورغم أن ما حدث هزيمة لحلف الناتو وللولايات المتحدة خصوصا، إلا أن ساساتهم يتحدثون عن انتصار يتمثل في السيطرة على المطار الوحيد، ويتوقف على نجاح عملية إجلاء رعاياهم من قلب هذا الجحيم الذي فتحه العالم الحر من جديد في هذا الجزء من العالم، وأن احتلال أفغاستان لعشرين سنة كان الغاية منه تحييد أسامة بن لادن وتحقق هذا الهدف، وكأنهم يتجاهلون أن داعش التي قتلت في محيط مطار كابول العشرات من مسلحي طالبان وجنود المارينز الذين اصبحوا في خندق واحد، ما هي إلا تحور لتنظيم القاعدة كما التحور الذي نراه الآن في الفيروسات الفتاكة.

الدول في شرقنا الأوسط التي تفتح الآن أراضيها كمحطة عبور للهاربين من جحيم أفغانستان، فهي أيضا تعيش حالة رعب وهي تدرك أن في هذه الأرض نفسها تدربت الجماعات المسلحة وعادت لأوطانها كي تقض مضاجعها بالعمليات الإرهابية المتتالية. أما الإسلام السياسي الذي مازال يصارع بقوة وبكل الوسائل في المنطقة كي ينفرد بالسلطة فيبدو مبتهجا بهذه العودة لأحد تنظيمات الإسلام السياسي الذي نجح في السيطرة على دولة من ورق صنعها حلف الناتو، مثلما ما ابتهجوا لنجاح الثورة الإيرانية، والظاهرتان يعززان فكرة إمكانية إقامة دول ولاية الفقيه التي من الممكن أن يعترف بها العالم وفق شروط أهمها أن لا تنتج سلاحا نوويا. وطالبان تعترف أنها لن تقيم دولة ديمقراطية بالتعريف الغربي، لأنها تسعى لإقامة دكتاتورية فجة لولاية الفقيه بالتعريف الشرقي، وهذا الكابوس هم ما يجعل الأفغان الذين تعاونوا مع الحلف أو الذين ينتمون للعصر الحديث فكريا يتعلقون بإطارات الطائرات المحلقة ويسقطون منها صرعى على تراب أوطانهم الذي سيتحول قريبا إلى جمر، مثلما تسعى كل تنظيمات الإسلام السياسي أن تحول الأوطان إلى جحيم تحت ولاية الفقيه.

تتغير لهجة الإخوان المسلمين المصريين في المنفى وبعضهم يكتب اليوم كابول وغدا القاهرة، وتتغير لهجة حركة النهضة التونسية بعد سقوط كابول مع استجداء الدول الفارة من أفغانستان والخائفة على المسار الديمقراطي في تونس.
وأصادف، في بعض منشورات صفخات جماعة الإخوان الليبية وميليشياتها الظلامية، عبارة تتكرر وكأن وراءها جيش إلكتروني تقول: اليوم كابول وغدا بنغازي.

والأمر يستحق التوقف، ونحن نعرف مدى الحماس والنشاط الذي قابلت به هذه التنظيمات حكم الملالي في إيران، ونحن نعرف أن خمسة من الإرهابيين العائدين من أفغانستان، تقلدوا مناصب كبرى في وزارات سيادية في حكومة الكيب، بما فيها وزارة الدفاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى