لا أحد يتذكر “الأول من مايو الملعون”..
مروان العياصرة
من يعرف هذا اليوم،..؟، الأول من مايو / أيار ..
كان هذا، منذ أكثر من “500” عام، أي أنه يعود لعام 1517، حين كانت أوروبا مرتجفة بغضب، وتتمتم بحنجرة غاضبة ضد الإنسان..
الإنسان الذي يفرُّ من حرب لحرب، ومن كراهية لأخرى، ومن عذاب سميك كقطع جدران السجون المتوحشة، إلى عذاب آخر يتكاثر مثل ذنوب العُصاة..
أوروبا الخائفة اليوم من أكوام اللاجئين “مكسوري الخاطر”.. كانت قد عاشت تجربة مرعبة في الانتقام من الذين “صاروا لاجئين” على أبواب إنجلترا، وعتباتها الكلاسيكية وشوارعها المرحة مثل صبية بيضاء حزينة ودامعة، تلبس فستانا أسود.. هكذا إذن هو اللجوء الأوروبي بالأبيض والأسود..
كان أهلوها غاضبين قبل خمسة قرون بالتمام والكمال، بسبب القادمين الجدد، من الذين ولدوا عراة وبلا مستقبل، وصاروا حكاية من حكايا المستقبل، حتى هذا الزمان الراهن المصاب بالعطب والخيبات والتوجس.
على شواطئ إنجلترا تناثرت أجساد آلاف اللاجئين المنهكة، بين الأعوام ١٣٣٠-١٥٥٠، هاربين من عنف أوروبا واضطهاد الأوروبيين لقرنين من الزمان المرّ، المدجج بالكراهية والسخط.. باحثين عن حياة أجمل، لا تراق فيها كرامتهم في نعالهم المهترئة.. هؤلاء الذين عبروا حدود أوروبا وركبوا بحر “بريتانيكوس” إلى بريطانيا، خائفين ومبتسمين، على نحو غريب، لكن الخوف ينتصر، فتتهاوى ابتساماتهم على ياقات قمصانهم الرثة، حين يحمل لهم سكان لندن العصي والحجارة والماء المغلي.. انقضوا عليهم، بعد أن أنجبهم البحر من جديد، ليلاقوا حتفهم في يوم “الأول من أيار الملعون”.. كما أطلق عليه.. كان يوما فاحشاً، يوما لندنياً قاسيا وحزيناً وبذيئا جدا.
أخذ “شكسبير” خطاب “السير مور” وهو يهدئ الجموع الغاضبة واستعاده في إحدى مسرحياته، كتب غاضبا وصارخا في الجموع التي ستقرأه بعد مئات الأعوام..
“.. فكروا بالغرباء المعذبين، أطفالهم على ظهورهم، أمتعتهم الفقيرة على أكتافهم، جارّين أقدامهم للمرافئ والشواطئ بحثاً عن قارب نجاة.. أما أنتم، هنا تتنازعُكم أهواؤكم.. تصورات الأوغاد هي نفسها.. بصنائع أيديهم، بذرائعهم، بأنانيتهم..
إلى أن يقول لأهل لندن الذي جرفهم غضبهم وحولهم حقدهم إلى متوحشين، “.. وإن قَلبَتْكُم الأنواء لغرباء، هل يرضيكم أن تجدوا أمة تحمل مثل هذا المزاج المتوحش؟، أمة تنفجر بعنف بشع، أمة لا تمنحكم موطئ قدم على الأرض، وتشحذ سكاكين الكراهية على رقابكم”..
يا لاجئوا كل العالم..
هل تعرفون هذا اليوم الملعون..؟..
الحياة تتكرر هكذا إذن، أو أن العالم يستعيد شبابه الطائش والعنيف والمملوء بالبطش والتخلف..، لا أدري، ربما، لكن الأكيد أن أزمنة اللجوء متعددة ومستمرة، وموجات الهروب الإنساني من الغضب الإنساني، لم تتوقف طيلة تاريخ الشعوب..