كُتاب ليبيون يتحدثون لـ218 عن تجربة “الكتاب الأول”
خاص 218| خلود الفلاح
بماذا نحتفظ في الذاكرة من مغامرة التفكير في إصدار كتاب. وهل كان رفض النشر عائقًا في طريق الكتابة؟
ولو رجع بنا الزمن إلى الوراء. هل سنفكّر بشكل أكثر جدية قبل الدفع بكتبنا للناشر.
في هذا التقرير يتحدث كُتاب ليبيون عن تجربة الكتاب الأول.
يقول القاصّ، محمد المسلاتي، إن مجموعته القصصية الأولي “الضجيج ـ 1977 ـ الدار العربية ـ تونس” تتضمن 12 قصّة قصيرة، كان أغلبها قد نُشر في الصحف والمجلات خلال الفترة من 1970 إلى 1974.
ويضيف: عندما صدرت تلك المجموعة كنت شابًا وغير معروف، مرّت بظروف صعبة لأنشرها، خاصةً أن الوضع المادي لا يسمح بطباعتها على نفقتي الخاصة، وقد تقدّمتُ بها إلى المنشأة العامة للنشر والإعلان والتوزيع في مدينة بنغازي، وبعد أشهر من تسليم المخطوط؛ جاءني الردّ بالرفض من جانبهم لوجود أخطاء لغوية حسب ما ذكروا صدمني الرفض، و كان له تأثير مؤلم في نفسيتي، لا سيما أنه تجربتي الأولى، ولم يكن السبب مقنعًا بالنسبة ليّ، لأن الأخطاء اللغوية يمكن أن تُصحّح وتُعدّل، لكن ذلك لم يصبني بالإحباط، أو اليأس كان طموحي أكبر من الرفض، لذلك واصلت الكتابة، والنشر، والمشاركة بالأمسيات القصصيّة والثقافية.
ويتابع ضيفنا: في تلك الفترة كنا مجموعة من الشباب نلتقي بمقهى نعمة لصاحبه المرحوم عبد الله بزامة، شارع عمر المختار بمدينة بنغازي، تحت سينما بنغازي “برنيتشي”، كُنّا مجموعة من المهتمين بالأدب، والفن، والثقافة، جمعنا الحرف، والشغف بالاطلاع، وحبّ المعرفة، والجميل أننا كنا من جميع المدن الليبية، لأن هناك مجموعة من الطلبة الذين يدرسون في مدينة بنغازي، أتذكرهم من بنغازي وخارجها، الشاعر المرحوم السنوسي حبيب الهوني، والكاتب مصطفى الهاشمي، والمثقف علي بشير المصراتي، والكاتب منصور بو شناف، والكاتب الباحث سالم الكبتي، والكاتب المرحوم سالم مفتاح بن غزي، والكاتب عبد السلام قاضي قران، ومنصور شتوان، وعز الدين شتوان، وصالح جاد الله وهناك أسماء أخرى لا تحضرني الآن، وكنا على تواصل مع الشاعر أحمد بللو، والفنان التشكيلي عمر جهان، ورضا بن موسى.
وأردف: خلال تلك اللقاءات فكرنا في طباعة كتبنا على حسابنا الخاص بحيث يدفع كل واحد منا المبلغ الذي بمقدوره، ونجمع تكلفة طباعة مخطوطاتنا بالدور، وكان للشاعر السنوسي حبيب ديوان جاهز، ولي أنا مجموعة الضجيج وكانت الأولوية لديوان المرحوم السنوسي حبيب بعنوان (عن الصحو والحبِّ والتجاوز) ثم مجموعتي بعده مباشرة، وتبرع الفنان عمر جهان بتصميم الغلافيْن والرسوم الداخلية للكتابيْن، وبالفعل تم طباعة ديوان السنوسي حبيب الهوني أولًا بمطابع دار الحقيقة، وتوزيعه على المكتبات، لكن سرعان ما تم اعتقال السنوسي حبيب، ومجموعة من الكُتاب خلال انتفاضة الطلبة العام 1976 ، وحكموا بالسجن خلال النظام السابق، وبذلك ماتت طموحاتنا في مواصلة مشروع النشر، وتفرق من تبقى منّا.
واستطرد ضيفنا: بعد فترة خلال لقائي بالأستاذ علي بشير المصراتي طلب مني مخطوط (الضجيج)، وبالفعل حمله معه إلى طرابلس وأبلغني أنه سلمها للكاتب المرحوم خليفة التليسي بصفته رئيس مجلس إدارة الدار العربية للكتاب آنذاك، وهي دار مشتركة ليبية تونسية. وبالفعل أبصرت المجموعة النور شهر مارس 1977.
وقد تناول عدد من الكُتاب والنقاد هذه المجموعة بالقراءات النقدية محليًا وعربيًّا بين معجب، ومرحب، ورافض للشكل القصصي بالمجموعة، الذي اعتمد على الجمل القصيرة، واتباع السرد نظام التقطيع السينمائي.
ويعترف القاصّ، محمد المسلاتي، بأن النصيب الأكبر من القراءات النقدية لهذه المجموعة كان أكثر من إصداراته اللاحقة. ولو عاد الزمان به للوراء لن يتراجع عن نشر الضجيج، بل إنه يعتز بهذه المجموعة كما يعتز بباقي كتبه؛ معللاً ذلك بأن الأعمال الأدبية لا تراجع فيها بعكس الأبحاث والنظريات الأخرى لأنها تعتمد على وجهات نظر، وآراء، ونظريات قابلة للمراجعة، والتعديل، والإضافة، لكن بالنسبة للشعر، والرواية، والقصّة لا يمكن التراجع عنها.
وبحسب “المسلاتي” فإن الكتاب الأول يعني البداية، وإلى الآن يعتبر أي نصّ قصصي يكتبه هو البداية لأن الأعمال الإبداعية فضاء للتجريب، وكل نصِّ في ذاته هو تجربة جديدة مستقلة، لكنه لا يلغي أعمال سابقة.
من ناحيتها، ترى الشاعرة، نعمة الفيتوري، أن مرحلة التفكير في إصدار الكتاب الأول كانت شيّقة وَذكرى ممتعة برغم كلّ العقبات التي مرت بها آنذاك.
وقالت: أنا بطبعي شاعرة على الدّوام والشعر نوع من ممارسة الحياة وهذا ما خفف من وطأة رهبة البدايات وترقّب الأصداء وردود الأفعال من المتلقّين، بصدق لقد سعيت إلى أن أكون أنا وليس أحداً آخر، كذلك فأنا آثرت التمهّل كثيراً قبل إنجاز إصداري الأوّل لإيماني الشديد بضرورة أن يتسلّح الشاعر بالكثير من الثقافة والمعرفة في العلوم والفنون، والتاريخ البشري، ولا أنكر أنّ الرغبة تتملّكني والجرأة أيضًا لخلق نماذج إبداعية جديدة، أهدف من خلالها إلى أن أتفوق على نفسي في كل نص أكتبه، المهمة كانت شاقّة بلا شك، لكن حرية الاطلاع وحرية التعبير يًنتجان في النهاية، رؤية إبداعيّة تفوق كل الطموحات.
وتعتبر نعمة الفيتوري أن كتابها الأول “أنّات ذاتي ـ 2018 ـ دار النخبة ـ مصر”، قد نال وقته في المراجعة والتحليل، حيث كانت تلك الفترة واسعة المساحات في التأمل الروحي والتجريب العقلي، وكذلك كان المجتمع الثقافي بحاجة لأنفاس شعريّة مختلفة وطاقات إبداعيّة جديدة، ونحن بأمسّ الحاجة إلى ما يذكي فينا شهوة الحياة، وبأمسّ الحاجة إلى اللغة الخلاقة التي تعيد إلينا الإرادة والوعي بأنفسنا والعالم والقدرة على الفعل.
تقول الشاعرة نعمة الفيتوري: لقد سلّطتُ الضوء على الإنسان في جوهر إنسانيته، ومعاني الرغبة في الحياة وبواعثها. لقد حاولت أن تكون “أنّات ذاتي” بمثابة الحجارة الملقاة على الراكد في مياه النفس والمجتمع والحياة، ولم أكن بحاجة إلى انتظار التقدير والإشادة.
يعترف الشاعر، المهدي الحمروني، أن عنوان كتابه الأول “من بقايا الليل ـ 2019 ـ نشر مشترك بين ك ت ب ودار ابن رشد”، حيث كان مصاحبًا لمرحلته قبل اكتماله، كما لو أنه تأريخ للحظة الشعرية المحتكرة للتنزيل، وبما يشي ببساطة الواحات في نهاراتها الشفيفة التفاصيل، ثمة مساء بثراء ملهم يبسط نفوذه الشعوري بميثاق الكتابة.
وأضاف “الحمروني”: تراكمت النصوص على رفوف الطموح الباكر، وجهزتها وجلّدتها، ولم يتح لي بصيصًا من طباعة، ثم تناثرت في الصحف والأرشيفات المبعثرة، وضاع مجلدها وكراسها، وظل العنوان مصرّا على البقاء كتعبير على مرحلته، وكخط عمودي واثق في استيعاب ما تلاحق من نصوص عمودية؛ غدت جميعها كأمانة لا يدار لها ظهر النشر بعد الدخول إلى قصيدة النثر، في الأثناء أو فيما بعد. هكذا كان الكتاب برمزيته لا يمكن التراجع عنه كتعبير عن التاريخ الشعري، وعن متناول الرؤيا الابتدائية وتأسيسها النصي، والتي لم تخلّ بمفهومي في ماهية الشعر، والحريصة على تحقيق الخصوصية الكفيلة بترسيخ بصمتها الدالة على الدوام”.
وتحدث المترجم، مأمون الزائدي، عن أن الانتقال من الكتابة إلى عالم النشر كان مسألة صعبة في البداية. إنه اقتحام لعالم آخر له شروطه ونظمه الخاصة، وكما لا يدلّك أحد على الكتابة وطريقها لا أحد يفعل بالمثل في موضوع النشر، حيث يجب عليك أن تتلمس طريقك لوحدك وأن تتعلم من تجاربك.
وقال: كان كتابي المترجم الأول “بستنة في المنطقة الاستوائية”، كما رأى الناشر أن يسميه، للشاعرة الجمايكية أوليف سنيور. وصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت عن سلسلة إبداعات عالمية عام 2017، ولم أكن قد قرأت للسيدة “سنيور” من قبل ولم أعرف عن جمايكا سوى نصوص قليلة للشاعر ديريك والكوت وأغاني بوب مارلي، شدتني نصوص الكتاب فترجمت بعضها وقرأته للصديقين الشاعر الراحل فرج أبوشينة والقاصّ الأستاذ علي الجعكي، وكنّا وقتها نلتقي دوريًا، فيما أطلق عليه فرج ” جماعة الاثنين”. وعلى الفور تقريبًا وقعا مثلي تمامًا أسرى سحر الصور والقصص واللغة البسيطة التي تستعملها الشاعرة. وانبهرا بعملها، وطلبا مني الإكمال؛ فواصلت حتى أنهيت الكتاب.
وتابع ضيفنا: بعدها أخذت أبحث عن ناشر، كانت تجربتي الأولى ولم أكن أعرف شيئًا أو أحدًا، راسلت 60 ناشرًا من قائمة بالناشرين استخرجت عناوينهم من الإنترنت مع زوجتي ولم يردّ عليّ منهم سوى ثلاثة أو أربعة، بعضهم اعتذر والبعض الآخر طلب مالاً ليطبع الكتاب على حسابي. لم ينجح الأمر في المرة الأولى فركنت الكتاب وبدأت في آخر وكنت أواصل التراسل ومراجعة البريد على أمل أن استلم ردًا. وكنت قد جهزت كل ما قد يطلبه الناشر، مقدمة الكتاب، كلمة الغلاف الخلفي، نبذة عن المؤلفة وتاريخ أعمالها، عنوان الناشر، عنوان المؤلفة، بيانات الكتاب، عدد صفحاته، تاريخ صدوره، رقم ISBN ..إلخ. وعملت على مسودة الكتاب ودقّقتها مرارًا، وراجعتها ثم قمت بتنسيق الكتاب على برنامج MS WORD كما يجب.
وأخيرًا؛ تلقيت ردًا بخصوص الكتاب من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، حيث أبدت أسرة تحرير سلسلة “إبداعات عالمية” اهتمامها، فسارعت بالكتابة إلى الشاعرة عبر حسابها على “تويتر”؛ فأبدت سرورها الشديد وطلبت نسخة من المسودّة لتحتفظ بها كذكرى. وجدت أسرة التحرير بعدها كل شيء جاهزًا وكنت أردّ على الرسائل فورًا وأقدّم البيانات التي أعددتها سلفا كما توقعت.
وأضاف: لا أنسى أن أنوه بالدعم والتشجيع الذي قدمته لي زوجتي والأصدقاء الأعزاء وعلى رأسهم الأساتذة الراحل فرج أبوشينة والأستاذ علي الجعكي والعزيز مجاهد البوسيفي والأستاذ مفتاح العماري والأستاذة خلود الفلاح والشاعر رامز النويصري، الذي نشر لي إلكترونيًا من إصدارات “بلد الطيوب” كتابي الإلكتروني الأول “ترجمات أدبية”، وقد صدر قبل الكتاب الورقي بأشهر قليلة. كما أشكر جميع رؤساء التحرير ومديري النشر وأصحاب دور النشر على إتاحتهم الفرصة وتعاونهم الكريم والنبيل.