كيف بدأت الأنثى الليبية
ملاك عبد الرحمن
في مكان ما توجد بيضتان لا يعرف أحد نوع الجنين بداخلهما، تفقس البيضتان في لحظة ما لتخرج الصيصان، يترك أحدهما حراً والآخر يوضع في صندوق زجاجي يحميه ويحد من حركته، ينمو أحدهما حراً يفرد أجنحته كما يشاء يتحرك يبحث عن طعام يعيش حياته بدون قيود، ويبقى الآخر حبيس الصندوق يرى محيطه من خلف الزجاج ولا يستطيع التفاعل معه، تضمر أجنحته فلا مكان يسمح بنموها الطبيعي، ينمو ضعيفاً محدود الحركة فعضلاته واهنة من قلة الاستعمال يرضى بما يقدم له من طعام ويستكين لحياة الصندوق بعد أن تم تخويفه من الحياة خارج الصندوق وإقناعه أنه محظوظ لحصوله على امتياز الحماية والأمن والأمان وتوفير متطلباته، يأخذ الطائر الطليق كل شيء ويُحرم حبيس الصندوق من الحرية ويوصم بالضعف وانعدام القدرة حتى يقتنع هو نفسه بأنه مختلف وليس لوضعه في الصندوق أي علاقة باختلافه.
وهكذا تبدأ الأنثى في ليبيا
تولد كطفل غير مرغوب فيه غالباً كان يفضل لو كان ذكرًا ويتم وضعها وهي طفلة في ذلك الصندوق الزجاجي الشفاف الذي لا تراه ولا تدرك وجوده حتى تكبر، في البداية وفي مرحلة الطفولة تظن نفسها كالذكر تماماً تشاركه الألعاب والنشاطات والاهتمامات ولا تكاد تميز أي اختلافات بينها وبينه، تلك المرحلة غالباً ما تكون مليئة بالأحلام التي لا سقف لها، فغالبا يسمح لها أهلها بنفس ما يسمحون به لأطفالهم الذكور فتصدق الطفلة نفسها وتعتقد أن كل شيء متاح حتى تكبر رويداً رويداً وتبدأ حدود الصندوق بالظهور، تبدأ لائحة المحظورات في الظهور شيئاً فشيئاً اللعب في الشارع قيادة الدراجة الاختلاط مع الأطفال الذكور أمور كثيرة تحرم منها الطفلة لارتكابها جرم الأنوثة، تزداد هذه القائمة طولاً كلما كبرت الأنثى وتختلف محتوياتها باختلاف العائلة ومدى انفتاحها قد يكون الحق في التعليم من ضمن المحظورات قد يكون العمل أو الموافقة على الزواج قد يكون تكوين صداقات أو الدراسة في الجامعة قد يكون الجلوس في المقاهي أو المبيت عند الأقارب حتى طريقة الجلوس وأسلوب ارتداء الملابس يكون منصوصاً عليه في هذه القائمة.
يزداد الصندوق ضيقاً مع مرور الوقت حتى يتحول لقالب يشكل الأنثى ويغير تكوينها حتى تؤمن بأنه مكانها الطبيعي وحدوده هي حدودها المثالية فتتماهى معه حيث يكون جزءًا منها لا تكون أنثى بدونه.
تصبح تلك المحظورات داخل الصندوق هي الهوية وهي الأنوثة وهي الجنسية، فأن تكوني أنثى ليبية عليك الالتزام بحدود الصندوق وإلا فقدتي الأنوثة والجنسية فلا حق لك أن تكوني كما أنت بل يجب أن تمثلي الصورة المثالية للأنثى الليبية الملتزمة المحافظة الملائكية شرف العائلة والدولة بأكملها والتي تختلف عن إناث بقية دول العالم حتى تلك التي لأفرادها نفس القناعات الدينية لدى الليبيين. فالليبية ليست كأحد من العالمين يجوز لهم ما لا يجوز لها تحمل عبء الجنس والجنسية كممثل شرعي وحيد للمثاليات الليبية التي يعفى منها الذكور.
تتعايش الليبية مع الصندوق يصبح الصندوق ملاذها وامتيازها والإطار الوحيد الذي يتم قبولها من خلاله فلا يحق لها التفكير خارجه ولا كسره والتحرر منه وإن فعلت نبذوها وعاقبوها.
هذه الحدود الشفافة التي تحاصر الأنثى الليبية وتمنع نموها الطبيعي لا يمكن تحقيق شيء حقيقي وله قيمة بداخلها وتحولها لإنسان ناقص لا يستطيع الاكتمال ولا النضج يحاول عيش نسخة مشوهة عن الحياة الحقيقية وتجاربها.
يقطع المجتمع للأنثى الليبية أجنحتها ويعايرها بعدم قدرتها على الطيران، يعتبر جنسها إهانة ومسبة ويحاول إقناعها بأنه يحترمها، يحرمها من حقوقها مقابل امتيازات وهمية لم تطلبها ولا تساوي قيمة الحرية.
هكذا بدأت الأنثى الليبية وهكذا تنتهي إنسان لا يملك حرية الإرادة ويملكه المجتمع والعائلة وتنتقل ملكيته من أب إلى أخ إلى زوج وجل ما يستطيع فعله هو دعوة أربعين غريبا لعل وعسى تتحسن أوضاعه وتتوسع حدود الصندوق.