كورونا ترامب: إنها كانت القاضية
فرج عبدالسلام
عام 2020 كان صعباً وقاسياً على العالم بكل المقاييس، وليس أقلها هذه الجائحة التي تنتشر وتستشري في أرجاء الكرة الأرضية مخلّفة موتاً ودماراً وخراباً في كل المجالات وأولها الاقتصاد العالمي… لكن أكثر المتضررين من هذا الوباء هو الرئيس الأميركي ترامب، بعد الإعلان عن إصابته بالفيروس الخبيث قبل شهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية التي يطمح فيها بنيل عهدة ثانية في المكتب البيضاوي.
الإعلان القاصم للظهر جعل معظم المحللين الأميركيين يتوقعون أن يدفعَ ترامب ثمنا باهظا، فسيّد البيت الأبيض فشل في حماية نفسه أو أسرته من هذا الفيروس الذي استهان به وما انفكّ يصفه بأنه ليس أكثر خطرا من فيروس الإنفلونزا الموسمية، وبالتالي فهذه المأساة هي من صنع يديه ونتيجة لتجاهله واستهتاره بهذا المرض الذي قتل نحو مئتين وعشرة آلاف أميركي وأصاب أكثر من سبعة ملايين منهم حتى الآن في حصيلة تفوّقت بها أميركا على العالم كله.
بعد ثبوت الإصابة بقليل أعلنت حملته الانتخابية عن تعليق كل مجريات الحملة الانتخابية التي كان سيشارك فيها أفراد عائلته. وأعرب مستشاروه عن صدمتهم من تحول الأحداث بهذه السرعة، وعن أملهم في أن تظل أعراض ترامب خفيفة، وأن يظل قادرا على الأقل على الظهور على شاشة التلفزيون للتواصل مع قاعدته الانتخابية التي تتكون في أغلبها من الإنجيليين البيض واليمين المتطرف وجماعات متفرقة من المؤمنين بتفوّق العرق الأبيض، الذين تردّد ترامب في إدانتهم خلال مناظرته الأخيرة مع “بايدن” ما اعتبره العديدون أنها واحدة من سقطاته الكبرى في هذا الوقت الحرج.
المثير في الأمر أن بايدن الذي وصف ترامب في المناظرة الأخيرة بالمهرج، وبأنه “جرو” الرئيس الروسي بوتين كان حريصًا على تجنب ما قد يُظهره أنه يستغل وضع منافسه المأساوي، كما سارعت حملته الانتخابية إلى إزالة الإعلانات التلفزيونية السلبية ضد ترامب وتعامله مع الفيروس حتى لا تظهر بمظهر الشّامت في إصابته وزوجته بالفيروس.
كانت فرص ترامب بإعادة انتخابه تعتمد اعتمادا أساسيا على قدرته على مواصلته القيام بحملته الانتخابية وتنظيم اجتماعاته الانتخابية الشعبية كما فعل خلال الشهرين الماضيين، لكن يبدو واضحا الآن أن مصير محاولته إعادة انتخابه يتوقف بشكل متزايد على وضعه الصحي – وما إذا كان سيتمكّن من التغلب على المرض وإقناع الناخبين بمنحه أربع سنوات أخرى.
لكن إصابة ترامب بالفيروس ستبقي الجائحة في مقدمة الحملة الانتخابية في هذه الأيام المتبقية قبل الانتخابات، ولا شك أن هذا سيكون في صالح بايدن، الذي تركزُ رسالته الانتخابية على انتقاد إدارة ترامب وأسلوب تعاملها مع المرض القاتل. ولا شك أن هذا سيكون أيضا مذكّرا دائما وقويا للناخبين بمدى استخفاف ترامب بالفيروس، ليس فقط بسبب إهماله لسلامته وسلامة أسرته ذاتها ولكن أيضًا في تقييماته المفرطة في التفاؤل حول كورونا وقرب زواله، وحيث اعترف أحد مستشاري ترامب بأن تهوّره يرقى إلى مستوى الكارثة السياسية وها هو يدفع الثمن الآن.
فإصابة ترامب وزوجته بالفيروس ربما كان أهم وأشد ضراوة من كل هذه الأحداث مجتمعة لناحية تأثيرها القوي على نتائج الحملة الانتخابية. فهل تكون هذه بمثابة الضربة القاضية لأحلام ترامب بإعادة انتخابه، وبالتالي تخلّص الأميركيين والعالم من أكثر الرؤساء الأميركيين إثارة للجدل، وربما وصفَه كثيرون عن حقّ بأنه أسوأ الرؤساء الأميركيين على مدى التاريخ الأميركي، وأنه مجرّد مهرج ضلّ طريقه لرئاسة أميركا والعالم عن طريق الخطأ.