كنت أسيراً عند داعش
وهم يخافون وحدتنا، أكثر من ضرباتنا الجوية
مقاتلو داعش يستعرضون في الرقة: يؤمنون بحتمية حدوث صدام بين جيش إسلامي عالمي، وبين الآخرين "الصليبيين" الصورة من AP
كمواطن فخور بجنسيته الفرنسية، فقد انزعجت كثيرا مما جرى في باريس، ولكنني لست مصدوما أو ميالا للشك، لأنني أعرف تنظيم الدولة، فقد أمضيت 10 أشهر رهينة لديهم. وأنا أعرف تماما أن آلامنا، وحزننا، وآمالنا، وحتى حيواتنا لا تعني شيئا لديهم. فهم يهيمون في عالم مختلف عنا تماما.
أغلب الناس يعرفون التنظيم من خلال مواده الدعائية، ولكنني رأيت ما وراء تلك الدعاية، وخلال وجودي رهينة عندهم قابلت نحو دزينة منهم، من ضمنهم "محمد إمزاوي" أو الجهادي جون، الذي كان أحد سجاني، وكان يلقبني بالأصلع.
وحتى في الوقت الراهن أقوم أحيانا بالحديث معهم عبر مواقع التواصل، ويمكنني التأكيد على أن أغلب ما تعرفونه عنهم هو نتيجة لنوعية عمليات تسويقهم الإعلامي. فهم يقدمون أنفسهم للعامة باعتبارهم أبطالا خارقين، لكن بعيدا عن آلات التصوير فهم في حال يُرثى لها: بالنسبة لي ليسوا إلا أولاد شوارع ثملين بالأيديولوجيا وبالسلطة. في فرنسا لدينا مثل يصف حالة ما فنقول "أحمق وشيطاني" وقد وجدت أنهم أكثر حمقا وأكثر شيطنة. ولا يقلل هذا من حالة الغباء القاتل التي تتلبسهم.
كل أولئك الذين قطعت رؤوسهم في العام الماضي كانوا رفاقي في الزنزانة، وكان سجانونا يمارسونا معنا ألعابا طفولية (تعذيب نفسي) فيقولون لنا ذات يوم إنهم سيطلقون سراحنا، ثم يقولون لنا بعد أيام بلا مبالاة "غدا سنقتل واحدا منكم" في المرتين الأوليتين صدقناهم، لنكتشف بعد ذلك أنهم إنما يتلاعبون بنا ويستمتعون بذلك.
كانوا يقومون بإعدامات وهمية. وذات يوم جعلوني استنشق الكلوروفورم، وفي غيره نفذوا بحقى تمثيلية قطع رأس، بينما كان جهاديون يتحدثون الفرنسية يصيحون "سنقطع رأسك ونضعه في مؤخرتك، ثم نحمل الشريط على يوتيوب." وكان لديهم سيفٌ قديم الطراز.
كانوا يضحكون، وشاركت في اللعبة بالصراخ، ولكنهم كانوا ينشدون المتعة، وما أن يغادروا حتى ألتفت إلى رهينة فرنسي ثان وأنطلق في الضحك. كان المشهد سخيفا برمته.
فوجئت بعمق معرفتهم التكنولوجية، وهم يتابعون الأخبار بكثرة، لكن كل ما يشاهدونه يمر أولا على فلترة خاصة بهم، فقد جرى تلقينهم بالكامل، وهم منحازون بقوة لنظريات المؤامرة، ولا يعترفون أبدا بما يتعارض معها.
بعد كل ما حدث معي، ما زلت أعتقد أن داعش لا يجب أن تأخذ أسبقية، بل الأسد هو من يجب أن يأخذها.
كل شيء يقنعهم أكثر أنهم على الطريق الصحيح، وأنهم في الطريق إلى نهاية حتمية تقود إلى الصدام بين جيش الإسلام الذي سيتجمع من أنحاء العالم، ويسحق الآخرين، الصليبيين، والروم. ويرون كل ما يجري سيقود إلى هذه النهاية، وكل ذلك بمباركة من الله.
عن طريق اهتمامهم بالأخبار ومواقع التواصل، سيتابعون كل ما سيلي هجومهم الدموي على باريس، وفي تقديري أن أحاديث ستدور بينهم من قبيل "لقد انتصرنا." وسيستمتعون بأي بادرة تدل على ردود الفعل المبالغ فيها، أو الانقسام، والخوف، والعنصرية، ورُهاب الأجانب، وسينجذبون لأية أمثلة على القبح تظهر في مواقع التواصل.
جوهر معتقدهم عن العالم هو رفض المجتمعات المختلفة للمسلمين، وفي كل يوم يوجهون لواقطهم للبحث عن دلائل تؤيد رؤيتهم. لابد وأن الصور التي ظهرت في ألمانيا تبين استقبال الناس للاجئين كان مزعجة لهم، وبالتحديد لا يريدون رؤية التناغم، وتقبل الآخر.
لماذا فرنسا؟ ربما لأسباب عديدة، ولكني أعتقد أنهم اكتشفوا أن بلادي هي الحلقة الأضعف في أوروبا ، أي المكان حيث بإمكانك إحداث انقسامات بسهولة شديدة. ولهذا السبب، عندما يسألونني كيف نتصرف، يكون ردي "بعقلانية"
ومع ذلك رأينا أن المزيد من القنابل هو ردنا. لا أدافع عن داعش. وكيف لي أن أفعل؟ لكن كل شيء أعرفه يقول لي أن هذا خطأ. سيكون القصف مكثفا، وهو علامة على غضب يستند إلى حق. ففي خلال 48 ساعة على العمل الشرير، نفذت المقاتلات أهم قصف تقوم به في سوريا عندما أسقطت على الرقة، معقل داعش، نحو 20 قنبلة. قد يكون الانتقام محتوما، لكن يجب الالتزام بالتروي، وأخاف أن هذا الرد سيزيد الأمور سوءا.
في الوقت الذي نحاول فيه تدمير داعش، ماذا عن ما يقارب نصف المليون مدني العالقين في المدينة؟ ماذا عن سلامتهم؟ وماذا عن احتمالية أن نحوّل الكثيرين منهم إلى متطرفين؟ يجب أن تكون أسبقيتنا هي حماية هؤلاء الناس، وليس إلقاء المزيد من القنابل على سوريا. يجب أن ننشئ مناطق خالية من الطيران، بما فيها طيران الروس، والنظام ، والتحالف. السوريون بحاجة إلى الأمن، وإلا سيطلبونه من جماعات مثل داعش.
لقد انتهى إموازي، حيث قٌتل في قصف للتحالف، أنا لا أنعيه. لكن خلال حملته المسعورة للقتل، فقد اتبع هو أيضا أسلوب الخديعة المزدوجة. بعد أن قتل الرهينة الأميركي جيمس فوللي صوب سكينه نحو الكاميرا، والتفت إلى ضحيته القادمة قائلا "أوباما، لابد أن تتوقف عن التدخل في الشرق الأوسط، وإلا قتلته." كان على علم تام بمصير ضحيته، كما هو على علم أيضا برد الفعل الأميركي ــ المزيد من القصف. هذا ما يريده داعش، ولكن هل يجب أن نمنحه له؟
لا أشك أن التنظيم شيطاني. لكن بعد كل ما حدث معي، ما أزال مقتنعا أنه ليس أسبقية لنا. في يقيني أن التعامل مع بشار الأسد هو الأسبقية. الرئيس السوري مسؤول عن تقدم داعش في سوريا، وطالما بقى في موقعه، لا يمكننا القضاء على التنظيم، ولا يمكننا أيضا وقف الهجمات في شوارعنا. عندما يقول البعض: "داعش أولا ثم الأسد" أرد عليهم، لا تصدقونهم، إنهم يسعون إلى أبقاء الأسد في موقعه.
في الوقت الراهن لا توجد خارطة طريق سياسية، أو خطة للتعامل مع العرب السنة وإشراكهم في العملية السياسية. سينهار داعش، ولكن عن طريق العملية السياسية فقط. أما الآن، وبعد الفظاعات التي ارتكبت في باريس، فالمهم هو أن نتحلى بالشجاعة والمرونة لأن هذا ما يخافه الداعشيون. أعرفهم، فهم يتوقعون القصف، لكن أكثر ما يخيفهم هو وحدتنا.
نيكولاس هينن
مؤلف كتاب: أكاديمية داعش، صعود الدولة الإسلامية
بقلم: نيكولاس هينن
مجلة نيوزويك