كل شيء تبدل .. لكن لا شيء تغـير
محمد محمد المـفـتي
• يقول المأثـور الإنجليزي كلما تغيرت الأشياء كلما بقيت كما هي. قد يبدو مثالا متناقضا، لكنه يصدق على مخرجات منتدى الحوار الليبي في جنيف. فوسط المهرجان ‘الانتخابي’ سقطت أسماء وبرزت أخرى، لكن قبضة الأيدي الممسكة بزمام الأمور باقية.
• كل الانتخابات تقود إلى فرحة طرف وخيبة أمل الطرف المنافس. المهم هل سـتقود انتخابات منتدى الحوار إلى انفراج الأزمة الليبية؟
• ولابد من تهنئة السيدة وليامز على جـهدها ومثابرتهـا للوصول بالليبـيين إلى نهاية نـفـق الخلافات والصراعات. ولابد أيضا من شكر ستيفاني التي وعدت بمفاجـآت في بداية تشكيل الملتقى، ولم يخيب التشكيل التنفيذي وعدها. أما جائزة نوبل فلابد من الانتظار حتى تتحقق أمنيات الليبيين.
الـبــعـد المصراتي:
في السياسة ، لا يوجـد حل كامل ، وثمة مفارقات وأبعاد جديرة بالتنويه. فالجولة الأخيرة من الانتخابات لتولي رئاسة الحكومة القادمة كانت بين رجلين من مصراته، ادبيـبه وباشآغا. وفي هذا تعبير عن حقيقة حجم مصراته في هذه الحقبة. وعسى أن تستطيع مصراته توحيد الليبـيين كما فعلت في الماضي. فـفي بداية القرن 19 في العهد القرمللي، انتشر تجار مصراته في كل أرجاء البلاد وسـاهموا دون أن يدركوا في مـد وشائج اللحـمـة الوطـنية بين أطراف المجتمع الليبي المبعثر في صحراء شاسعة.
وفي العقود الأخيرة، وبفضل الثروة النفطية، حققت مصراته مثل بقية مدن ليبيا ثلاثة تحولات هامة من نمو سكاني استثنائي، ونمو الشريحة المتعلمة فضلا عن المبادرات الصناعية والثراء التجاري. كل هذا قاد إلى طموح مصراته لدور أكبر في سياسة البلاد، بل وأن يحصلوا على اعتراف بقية الليبـيين بأن مصراته إقليم رابع.
كان على السراج ابن طرابلس الذي أمسى تجسيدا لخيبة الأمل أن يرحل. ومؤخرا تصدر الجمع المصراتي باشاغا بقدر مفرط من الثقة، فكان عليه أن يزاح من الطريق ويمتص سقوطه قلق الشارع الليبي. وكذلك كان انسحاب المشري مناورة ذكية تمهيدا لفوز حلفائه بكرسي السلطة. ولكن على حكماء مصراته ألا ينسوا في نشوة الانتصار أن أمام ساسة مصراته مهام كبيرة من ترميم صورتهم وعلاقاتهم إلى ترميم البيت الليبي كله.
الـبـعـد التركي:
“خوتكم العثمانيين لعبوها صح”. هذا ما قاله لي صديق التقيته عند الناصية بينما كنت أتمشى وأتشمس في زمن الكورونا، ‘‘فالجولة الأخيرة من التصويت على رئيس الحكومة كانت بين باشاغا وادبيبه … أيهما فاز ، فهو على علاقة طيبة مع تركيا’’.
وواصل الصديق: ‘‘بالك نحن بحاجة لإعادة النظر في حقيقة أهـداف التدخل التركي وفرص نجاحه ؟ فهل جاءت تركيا أصلا بموافقة أميركية، لنزع السلاح من الشارع بعد فشل أوروبا في حل الأزمة الليبية؟ هل لهذا السبب كانت ردود الفعل الأمريكية والأوروبية خافتة طول الوقت ؟’’.
‘‘كيف نعيد النظر في الدور التركي ؟ أهو نقول لك’’.
‘‘ آه. هذه سيارة إبني جاية. الدور التركي يحتاج قعده. توا نمشي نسحب سيولة !!’’.
وأخيرا، وعلى الصعيد الليبي الأوسع، لابـد من القول بأن جـو التفاؤل الذي بثـه ‘‘الحوار’’ لا يجب أن يخفي عن أنظارنا كل الاحتمالات الأخرى ومنها ما قـد يكون ســيئا؟