كرة القدم وصناعة النجاح
حسين شبكشي
بعيداً عن ردود الفعل العاطفية التي انطلقت من المشجعين العرب على النتائج السلبية للمنتخبات العربية المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم والمقامة هذه الأيام في روسيا، ما يمكن قوله إن النتائج كانت متوقعة. هذه الحقيقة المُرة بعيداً تماماً عن أي محاولة لما يسمى جلد الذات.
في كأس العالم، مثل سائر أمور الحياة، لا ينال الجائزة الكبرى إلا من أعد لها جيداً وحضّر الخطة ووضع النهج الدقيق للتنفيذ، وهذا لا يتأتى بالحماسة والعواطف والدموع. ولا يوجد مثال على صدق هذه المقولة مثل الذي ينطبق على المنتخب الألماني. وقد لا يقدم هذا الفريق النموذج الكروي الأكثر إمتاعاً مقارنةً بالبرازيل والأرجنتين وإسبانيا مثلاً إلا أنه الفريق الأكثر اعتمادية وثباتاً، لأن الفكرة الأساسية هي توفير الأمان والاستقرار للجهاز الفني بعد اختيار الأصلح والجدير بالمنصب لمنح السلطة والصلاحية الكاملة له دون التدخل في إدارته. وهذا له مدلول عملي يؤكد ذلك أن الفريق الألماني منذ عام 1964 لم يُدرْه سوى ثمانية مدربين فقط، وهذه هي الترجمة المعيشية لمفهوم الاستقرار الواقعي.
هناك كتاب ممتع وجميل اسمه «داس ريبوت» لمؤلفه رافييل هونيجستين يشرح فيه وبشكل مفصل ومسهب كيف تمكّن الألمان من إعادة هيكلة اللعبة وإعادة هندسة البنية التحتية لها من مدارس وأحياء ومراكز شعبية ودوري محترفين وصولاً إلى المنتخب الأول المعروف باسم «المانشافت» وأصبح القوة الكروية الأولى في العالم، محوِّلاً هذا النجاح إلى قوة ناعمة جديدة تُحسب لألمانيا، والانطباع الذهني المترسخ عن الإدارة والمنهجية الصارمة في الأداء المصحوب بالنتائج. وهي مدرسة على النقيض من الاعتماد على الشخص الواحد أو حلول مؤقتة مرتبطة بحماسة وعواطف مثل الذي نراه من البرازيل أو الكثير من دول العالم الثالث.
كرة القدم أصبحت صناعة متكاملة لها عوائد اقتصادية قابلة للقياس، فهي مجال توظيف للبشر وتوظيف للمال، ولكل ذلك انعكاساته المالية على اقتصاديات الدول التي تأخذ هذا الأمر على محامل الجد والاحترام.
كرة القدم أصبحت أهم عناصر الجذب السياحي في إسبانيا وإنجلترا على سبيل المثال بسبب حسن إدارة واستغلال كلتيهما لنجوم كرة القدم لديهما والاستفادة منهم كعناصر جذب سياحي بامتياز.
الحرص على «الأداء المشرف» والاعتماد على «اليقظة» الفجائية هو تماماً عين التعامل العشوائي مع المناسبة العظيمة وعدم الاحترام لأي نوع من الخصوم أمامك. وإذا كانت هناك نتائج إيجابية قد حدثت في السابق فهي تبقى كذلك: استثنائية، والاستثناء لا يمكن أن تبني عليه فكرة القاعدة.
كرة القدم تبدأ بالمواهب والمتعة ولكنها تتوج بحسن الإدارة والانضباط. هناك فارق كبير بين مَن يَطْرب من «الترقيص» العابر في حركة استعراضية وبين من يحصد البطولات نتاج دراسة وتخطيط وانضباط.
فلنستمتع بكرة القدم في كأس العالم، ولكن الأهم نتعلم كيف يُصنع النجاح.