كازا ومعالي الوزير
فرج عبدالسلام
كازا CASA ، تعبيرٌ في عموم اللغات اللاتينية يعني، البيت أو الدار، وربما قصد مالكُ مقهى كازا في بنغازي، الذي حصد شهرة سيّئةً الآن بعد تصنيفه كوكرٍ للرذيلة والمجون من قبل داخلية المؤقتة، أن يجعل من المكان دارا أو بيتا آمناً يستقبل الناس، عسى أن يجدوا فيه بعض الراحة من عناء مدينة جثم الإرهابُ والعنف والتطرف على صدرها ردحا من الزمن، قبل أن ينجح أهلها في التخلص منه بعد تقديم الكثير من الضحايا على محراب الحرية، إنما ليفاجأ هؤلاء الناس بأن الإرهاب والعنف لم يغادرهم، وأنه باقٍ بصورٍ متعددة، بعضها أكثر فتكا عند الناس حين يُتهمون في أعراضهم.
قد تكون لتسمية هذا المقهى بالكازا علاقةٌ بالهجوم عليه بهذه الطريقة الهمجية، واتهام مرتاديه على موقع الوزارة الرسمي بممارسة الرذيلة والفحشاء، فربما اختلط هذا المسمّى في أذهان المهاجمين المنغلقة، بتعبير الكازينو وهو مكان يستخدم للّهو وربما الرقص… وإن ارتبط الكازينو في الذهنية الليبية في الغالب بمكان ليلي ربما تجري فيه أمور مشينة كما يتصوّرون، مع أن الأمر مختلف لدى جيراننا الأقربين في مصر الذين استقينا منهم جل ثقافتنا وعلومنا، فالكازينو عبارة عن مقهى عام يكون عادة في مكان مفتوح. طبعا إنّما استخدِمُ هنا منطق التحليل البسيط، مستعينا بتواضع شديد، بعلم دلالة اللغة “الفيلولجي” PHILOLOGY لمحاولة الولوج إلى ذهنية أعوان معالي الوزير “بوشناف” وتفسير قيام جهاتٍ رسمية تتبع الدولة بمهاجمة مكانٍ يحتسي فيه الناسُ الشاي والقهوة بأنواعها، وربما المرطبات.
في البدء، ولكلّ من يستغرب ذكر اسم وزير داخلية المؤقتة/الدائمة في عنوان هذا المقال، فإنما هو انطلاقٌ من مبدأ تحميل المسؤول الإداري الأعلى مسؤولية كل ما يجري في المؤسسة التابعة له، أو هذا ما تنصّ عليه أصول قيام الدولة المدنية الحديثة، التي ينشدها الليبيون بعد عقود من الاستبداد والعسف الذي توهموا أنهم تخلصوا منه بعد قيام ثورة فبراير… إنما ليُواجهوا بأنهم يعانون وضعا أشد مرارة وأكثر قسوة. وإذا ما كان صاحب المعالي ينشُد استقرار وأمن “رعاياه” فربما وجب تذكيره بحالة الانفلات الأمني واستفحال الجريمة رغم طول لحى منتسبي وزارته، وتذكيره أيضا بأن صاحب معالٍ آخر سبقه في المنصب، ما يزال مغيّبا لأكثر من عام ولا يعرفُ أحدٌ له تهمة أو طريقا.
وبدون الخوض في تفاصيل ليلة الهجوم على مقهى كازا، والتزوير الفاضح، وتلفيق التهم لفتيات بريئات أردنَ اللقاء في مكان عام مرخّص، وليس وكراً، كما تقول داخلية معالي الوزير، لا بد أن الليبيين يتساءلون، كما أتساءلُ، إذا ما كانت تضحيات الليبيات الشريفات من أمثال (سلوى بوقعيقيص، وفريحة البركاوي، وانتصار الحصائري) وغيرهن، في سبيل الحرية والمجتمع المدني، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون من يدّعون الغيرة على ثوابت المجتمع وأخلاقياته مختفين تحت الأرض أي Underground بحَرْفية المعنى، قد ذهبت سدىً، ويتساءلون أيضا إذا ما كنا قد استبدلنا إرهابا منظما وواضحا في مبادئه ورسالته وأهدافه، يمكنُ للمرء التعايش معه “على كره ومضض” على اعتبار معرفتهم به وعدم القبول بطروحاته ونهجه، وهو إرهاب أنصار الشريعة وداعش كما رأيناه في سرت ودرنة وبنغازي، بإرهابٍ منفلتٍ من عقاله يرتدي زيّاً رسميا، ويعمل تحت شعار الدولة ويسمّي رئيسه بـ “معالي الوزير” ونعرف أنه يستقي أفكاره من فتاوى القرون الوسطى، وشيوخ فتنةٍ لم يفلحوا يوما في إقامة أي مجتمع إنساني سليم، وأثبتوا أنهم يُحدثون الخراب والفتنة أينما حلّوا وحلّت أفكارهم المظلمة.
ويبقى التساؤل الأخير هل انتصر فكر من يُسمّون بأنصار الشريعة وداعش، ومستقِي الفتاوى المتخلفة من وراء الحدود في ثوبه الرسمي الجديد؟.. وهل سيجدي قول صاحب المعالي إنه سيعتذرُ لمن تضررن بعد أن وقعت الفأس في الرأس؟
والتساؤل الأهم والأخطر هو: هل يمر المجتمع الليبي، خاصّة في برقة، بالحقبة الداعشية الثانية كما تشير كل الدلائل؟