قُطَّاع طرق تكنولوجيا مابعد الحداثة
عمر أبو القاسم الككلي
نحن جيل يمكن وصفه بأنه اعترض تكنولوجيا مابعد الحداثة (الكومبيوتر والهاتف المحمول) اعتراضا. إنه نوع من أعمال قطع الطريق. إذ لم يتسنَّ لنا مواكبة هذه التكنولوجيا منذ البداية، ولم يكن لدينا وقت، أو رغبة، في فعل ذلك. لقد كنا مستعجلين على غنم ما يمكن غنمه منها.
عندما اقتنيت جهاز كومبيوتر (جهاز العلبة) بداية الألفية الحالية، اكتشفت وأنا أتعامل معه بفرح أن لوحة المفاتيح لا تعمل بشكل سليم، إذ حين أضغط على أحد الحروف العربية كما هي أمامي، يظهر لي مطبوعا حرف آخر.
خمنت أن الخلل لا بد وأن يكون في اللوحة بسبب سوء صناعتها. فتأبطتها وذهبت بها إلى المحل الذي اشتريت منه الجهاز.
قال لي الشاب بمنتهى الهدوء والأدب والدماثة: التعديل يتم من الجهاز!
لم يسخر مني. قد يكون سخر مني بعد خروجي وروى الطرفة لأصحابه. لكنه لم يفعل في حضرتي ما يوحي بالسخرية.
*
أول مرة ربطت جهازي بالإنترنت التقط الجهاز فايروس خلال دقائق!. كان برنامج الحماية المستخدم نورتون Norton فظهرت لي رسالة تقول بالتقاط جهازي لفايروس مجهول لدى النورتون وليس بوسعه أن يفعل له شيئا. وأمدني برابط موقع طالبا مني الدخول عليه علّي أجد عنده حلا للمشكلة.
دخلت على الموقع فأخذ يفحص الجهاز. ثم أبلغني أن الفايروس مجهول لديهم وأن الحل الوحيد المتاح هو أن أسمح لهم بسحب الملف المصاب لمعاينته.
آنذاك كنت لا أعرف كيفية تتبع الملف المعني وتحديد موقعه في الجهاز وتحديد طبيعته ومحتواه. فسمحت لهم بسحب الملف الذي لا أعرفه. وظهرت لي رسالة شكر.
المهم في الأمر، أنني كنت أتعامل مع “عقل آلي” لا أعرف في أي بلد مقره من خلال الضغط على أزرار، كما لو أنني أتعامل مع عقل بشري نتفاهم معا عبر لغة مشتركة. إنه بالنسبة إليَّ عالم خيالي، رغم واقعيته الفعلية.
*
الأمر يختلف مع الأجيال الجديدة التي تعاملت مع هذه التقنية منذ نعومة أظفارها.
في فترة اشتريت لأبنائي جهاز كومبيوتر بسيط، لأنني كنت أمنع عنهم استعمال جهازي خشية إفساده. لم يأخذ أي منهم دورة على الكومبيوتر، فلاحظت أنهم صاروا، بعد فترة بسيطة، يستفيدون من وظائف الجهاز بطرق سهلة لا أعرفها. الابن الأصغر الذي كان قبل سن المدرسة، دخل، وحده، على برنامج الرسم وصار يرسم لوحات جميلة. مشكلته كانت أنه عندما يقوم بإقفال البرنامج لا يميز بين خيار الحفظ وعدم الحفظ. فضاعت كثير من لوحاته.
في أحد فنادق جربة ذات مرة كان يجلس قريبا مني رجل ليبي في مثل عمري. كان يجري عملية ما على نقاله. بادرني قائلا إنه حديث العهد بالتعامل مع الهاتف النقال ويواجه مشاكل. قلت له أنا تقريبا مثلك. أخبرته أن معي ابني البالغ حوالي 14 سنة وهو من الجيل الذي نشأ مع هذه التقنية. ناديت ابني الذي كان قربنا وقلت له:
– شوف عمك شن يبي يدير في جهازه.
أخذ مه الجهاز وفي غضون ثوان أطلعه على الأمر.