قصة ليبية – زعما أما آمين فيهم مستجابة !
محمد الطيب
وسط الحرب الدائرة في ليبيا تذكرني أحد الأصدقاء برسالة عبر فيسبوك، يسأل فيها عن كيف هي حياتي خارج الوطن، بدأت القصة بردي على الرسالة عندما أرسلت له ‘ شكرا على سؤالك ‘ ففي الفترة الأخيرة الصعبة نادرًا ما تجد من يسأل عن الليبيين الذين غادروا تراب الوطن، وأغلب الأصدقاء يتفقدون من هم داخل حدوده بسبب تصاعد الأحداث، أما من هم خارجه، الغالبية تعتقد أنهم في رفاهية تامة يتابعون الأحداث عبر الأخبار فلا صواريخ من فوقهم ولا طوابير أمامهم !
بعد الشكر دار حديث طويل بيننا خاصة أننا أصدقاء مقربون لكننا لم نلتق وجهًا لوجه من خمس سنوات، وفي منتصف الحوار أخبرني عن قصة حدثت معه كانت السبب في كتابة هذا المقال .
صديقي تاجر قطع سيارات ولديه مجموعة من المحال في ليبيا أغلبها في بنغازي وطرابلس، كان يتنقل دائما بين المدينتين لمتابعة سير العمل، حتى بداية الحرب الأخيرة الدائرة حاليا في مدينة طرابلس وضواحيها، وفِي الأسابيع القليلة الماضية وفي يوم جمعة كعادته اتجه للمسجد لأداء صلاة الجماعة في أحد جوامع بنغازي، وقبيل الصلاة بدأ الأمام بسرد الدعاء ليرد الحاضرون بآمين ،فقال الإمام ‘ اللهم انصر جيشنا وحرر عاصمتنا طرابلس من الظالمين يا حي يا قيوم ‘ فرد الصديق آمين بكل خشوع وصدق نوايا وقال : من منا لا يريد دحر الظالمين ونصر الجيش على أعدائه .
كان يوما عاديا يشبه العديد من أيام الحرب في ليبيا، وبعد أيام قليلة اتجه الى مدينة طرابلس لإغلاق أحد محلاته المتضررة من الحرب وترتيب الشؤون المالية لمشاريعه في العاصمة، وفِي يوم جمعة أيضا كانت أصوات المدافع قريبة في كل ضواحي المدينة، لكن هذا لا يمنع السكان من ممارسة حياتهم اليومية ومنها الذهاب لأداء صلاة الجماعة، فقال لي : ‘وسط الضرب وقفت السيارة ومشيت للجامع نجري وكان صوت التكبير عالي ‘ حتى دخل أحد مساجد طرابلس قبل الصلاة بلحظات وعند الدعاء بالتحديد، ليجد نفسه مع الحاضرين يرد بآمين على كل دعاء، وعندما قال الإمام ‘ اللهم انصر ثوارنا وأرسل طيورا أبابيل على حفتر ومن معه من أعداء طرابلس’ الجميع رد آمين وصديقي أيضا : آمين !
يكمل الرسالة قائلا : خرجت من المسجد من بعد الصلاة في صدمة، وقفت لأسترجع اليومين والمدينتين والصلاتين ودعائي فيهما، وصرت أتساءل كنت أدعو الله أن ينصر من على من؟ هل أنا في بنغازي أدعو الله أن يخسف من يسيطر على طرابلس أو أنا من دعوته أن يمنع تقدم الجيش لتحريرها ؟ وكتب في نهاية الرسالة ‘ والله ربي يعلم أني كنت نقول آمين بصدق ورغم أني مع فكرة سيطرة الجيش ونهاية الحرب، لكن نعرف في ناس بريئة راحت في القصف الأخير ‘ زعمًا أما آمين فيهم مستجابة !’ ربي يلطف ربي يلطف ‘ وكان ردي يا رب خير .
الكثير منا اليوم ينحاز الى طرف من الأطراف المتناحرة داخل الوطن، كله إيمان بأنه مع الحق والآخر هو الباطل، وهناك من في الشرق أخذت الحرب منه المال والبنون، الراحة والحياة، يمد يديه لله يدعو الفرج ودحر العدو عنه، هناك آخرون في الغرب ضاق بهم الحال انجر أولاده للقتال فيدعون الله أن ينصرهم، كلهم يدعون إلها واحدًا، لكن كما قال الصديق، ‘ زعمًا أما آمين فيهم مستجابة !’