قصة استقلال “برقة” وولادة “الدولة الليبية” الحديثة
تمر اليوم ذكرى إنشاء إمارة برقة التي أعلنها إدريس السنوسي إمارة مستقلة عن بريطانيا بعد خوض العديد من التحديات السياسية من أجل هذا الاستحقاق العظيم، الذي مهّد لولادة “الأمة الليبية الحديثة” أثناء مؤتمر وطني عقد في بنغازي
وحاول اتفاق ثلاثي يتكون من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى إفشال هذا الاستقلال بعد عرض مشروع بيفن سفورزا في مايو 1949، وهو خطة وصاية جرت بين وزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا ووزير خارجية بريطانيا إرنست بيفن
وتم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا كممثلين لقوات الحلفاء في أن ليبيا تحصل على استقلالها بعد عشر سنوات على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاث خلال هذه الفترة تحت وصاية دولية تتولى بريطانيا الوصاية على برقة وتتولى أيطاليا إدارة طرابلس وفرنسا إدارة فزان
لكن باءت هذه المحاولات بالفشل بسبب قلة عدد الأصوات، حتى أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا القرار رقم 289 في 21 نوفمبر 1949 الذي يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952
ولتبدأ رحلة جديدة من النضال تكللت في النهاية باستقلال وتوحيد كامل الأراضي الليبية عام 1951 وتأسيس الدولة الليبية على شكل ثلاثة أقاليم، قبل توحيدها الرسمي في عام 1963 بعد ظهور النفط
برقة ما قبل الاستقلال
بعد أن تنازل العثمانيون –الأتراك- عن الإدارة الليبية لمصلحة إيطاليا عام 1911 وفقا لمعاهدة “أوشي” خاضت برقة صراعا عميقا مع المستعمر الإيطالي، خلّف وراءه واحدا من أسوأ المعتقلات في التاريخ “معتقل العقيلة”
وتم إعلانها في 17 مايو 1919 مستعمرة إيطالية، ما سبب في تماسك وقوة المقاومة بقيادة السنوسيين وقائدها الميداني عمر المختار، الذي قاوم الفاشيين إلى آخر نفس، حتى تمكنوا منه مرفوع الرأس في عام 1931
لكن قبل هذا، كانت إيطاليا قد اعترفت بالسيد إدريس السنوسي كأمير على برقة عام 1925، لكن الخلافات الكثيرة جعلت إيطاليا تسحب هذا اللقب من الأمير عام 1929، وهو ما أدى إلى ذهاب السيد إدريس إلى مصر لاستئناف المقاومة السياسية
وفي 1934 أي بعد مقتل عمر المختار بعام واحد فقط، وانحسار المقاومة في الإقليم، تم الإعلان رسميا عن تسمية برقة وطرابلس وفزان بما يعرف بـ “ليبيا الإيطالية” حتى الحرب العالمية الثانية، التي خسرت فيها قوات المحور على حساب الحلفاء
برقة ما بعد الاستقلال
بعد الاستقلال الذي حظيت به برقة تحت الإدارة البريطانية كثامن دولة عربية تنال استقلالها في مارس 1949، لم تمضي أقل من 3 أشهر حتى استقلت عن بريطانيا، بعد فشل مشروع بيفن سفورزا
تزامن هذا مع لقاءات وطنية جمعت شخصيات من طرابلس وفزان لتأييد الأمير إدريس السنوسي والاتفاق على أن يكون ملكا لجميع الأراضي الليبية في نظام ملكي دستوري اتحادي، عبّر عن إرادة الليبيين وحكمة الأباء المؤسسين وتجاوز الخلافات من أجل المصلحة العامة للمواطن الليبي
تناوب على ولاية برقة 3 شخصيات بارزة وهي السيد حسين مازق والسيد محمود بوهدمة والسيد محمد الساقزلي الذي حظي بفترتين كوالي على برقة وهي الفترة الأولى من المملكة الاتحادية والفترة الأخيرة قبل إعلان الوحدة الكاملة
شكل الدولة
دولة برقة التي لم تحظى بوقت طويل، كانت تعتمد العلم الأسود مع رمز النجمة البيضاء والهلال شعارا لها، حتى صار فيما بعد الشعار الخاص بالملك إدريس السنوسي مضيفا إليه تاجا أبيضا في الطرف العلوي من العلم، وقبل إضافة القطعتين الحمراء والخضراء بعد الاستقلال الكلي
دستور برقة
صدر دستور إمارة برقة في بنغازي بتاريخ 1 أكتوبر 1949 كدستور لإمارة برقة، شمل 6 فصول باجمالي 68 مادة منها: حقوق الشعب والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضاء والخدمة المدنية
البرلمان البرقاوي
تم تأسيس برلمان خاص ببرقة في عشرينيات اقرن الماضي في بنغازي، برئاسة السيد صفي الدين السنوسي، وهو يعتبر الأول من نوعه في المنطقة، وقد أجرى انتخابات شارك بها 50 ليبيا آنذاك
لكن بعد وصول الفاشيين إلى الحكم، أوقفت إيطاليا الجديدة العمل بهذا البرلمان، وتمت مطاردة العديد من أعضائه، لكن في مثل هذا الشهر من العام 1925 تم إعادة افتتاحه ليصبح مجلسا صوريا يعبر عن الإرداة الإيطالية
ثم تم افتتاحه مجددا في 12 يونيو 1950 برئاسة رشيد الكيخيا، لتتغير صلاحياته بعد إعلان استقلال ليبيا في 1951 وإنشاء مجلس النواب الاتحادي، وليتم إلغاؤه للأبد بعد أبريل 1963 بعد الغاء نظام الولايات الاتحادي
يذكر أنه نفس المبنى الذي تمت فيه محاكمة شيخ الشهداء عمر المختار، حين كان يحمل اسم قصر ليتوريو، وكان قد تعرض المبنى لأضرار كبيرة أثناء الحرب العالمية وتمت إزالته بالكامل بعد ذلك