قراءة في خطاب ماكرون
أحمد البخاري
الجزء الأول: صورة بدون اختزال/ أو الصورة المؤلمة.
أحد مساوئ عصر السرعة والتدفق المعلوماتي الرهيب، هو التناول السطحي لأي حدث، ثقافة الاقتباسات والاختزال والاقتطاع لكل معلومة بشكل غير متعمد أو متعمّد أيضاً، لغرض شحن الجماهير وتعبئتهم نحو فكرة معينة جاهزة لغرض تأكيد فكرتك/ أيديولوجيتك مع ضمان أن لا أحد لديه الوقت الكافي للمراجعة وراءك، فهو لا يملك سوى دقائق محدودة للانتقال لخبر آخر يشحنه نحو الآخر.
هذا ما حصل بشكل تماماً مع خطاب ماكرون الأخير، ذو 50 دقيقة كاملة، حيث تم اقتباس مجموعة من السطور مع تأكيد أن ماكرون ضد الإسلام، وضد المسلمين، وعليه جميع اللعنات، هذا العنصري الصليبي اليميني المتطرف الحاقد على ديننا والكاره له.
والحقيقة أن كل من استمع للخطاب بشكل جيد وبدون تحيز يعرف أن ماكرون أكد في بداية خطابه على التفرقة بين المتطرفين والمسلمين، وأنه حذر بشدة من وصم كل مسلم بالتطرّف وقال علينا أن نحذر ونقطع الطريق على كل من اليمين المتطرف وكذلك المتطرفين من المسلمين الذين يعملون في نفس الاتجاه وأن هذه الإجراءات لا تستهدف سوى المتطرفين.
نعم، من وجهة نظري فإن أوروبا قد تأخرت كثيراً، وتساهلت مع الراديكالية الإسلامية، فهل يمكن أن نقول إنها استفاقة!! خاصة لدولة فرنسا التي تشهد مشاهد غير موجودة حتى في دول عربية، فضائح لم تشهدها حتى ليبيا في عز فوضتها، ويبدو أن التيار الراديكالي قد استغل ما توفره هذه الدول من حريات فردية وحقوق إنسان بشكل أصبح يهدد هذا النظام بل ويدعو علنا لهدمه.
ما قاله ماكرون، وما يحدث في فرنسا شيء غير معقول، مدارس إسلامية متطرفّة في قلب فرنسا بدون أي رقابة من الحكومة يذهب إليها الأطفال لتعلم فقط الدين وبعض الحساب، مساجد مسيطر عليها تماما من قبل تيارات متطرفة تغذي الشباب على كره الآخر والقتل وسفك الدماء وتدمير الدولة، أندية رياضية واجتماعية خاصة للمسلمين فقط خارجة عن السيطرة تماماً يتم تنشئة الأجيال فيها على كل أنواع التطرف، أئمة مساجد يأتون من خارج فرنسا وبتعليمات من دولهم لينفذوا سياسة ورؤى دولهم الدينية بدون تدخّل من فرنسا، في أي دولة عربية أو إسلامية تحدث هذه التجاوزات، وفي أي دولة عربية أو مسلمة تسمح بأئمة من دول أخرى تسيطر على مساجدها!!
رغم كل ذلك، يعترف ماكرون أن ما حدث تقصير منهم، ويعترف أنهم من سمحوا لهذه الجماعات المتطرفة باستغلال المسلمين من هذه الأفكار المؤذية، وإن على واجبهم الآن حماية مواطنيهم المسلمين من هذه الأفكار، ويعترف أيضاَ أن الحقبة الاستعمارية لفرنسا ما زالت تشكل مشكلة لا بد من حلها والانتهاء من هذا التاريخ السيئ الذي يشكل بابا لكراهية الآخر لفرنسا، أيضاً اعترف بأنهم ساهموا في الخطأ عندما تركوا أحياء كاملة خارج سيطرة الدولة وأهملوها ولم يهتموا بها.
محاربة “الانعزالية الإسلامية”، اسم جديد تمّ إضافته، بعد أن أصبح ذكرك لأي تيار متطرف إسلامي جدير بوصفك بالإسلاموفوبيا.. لكن هذا المصطلح يعبّر بالفعل عن الأزمة التي تعيشها دول أوروبا مع هذا التيار الذي يريد خلق دولة داخل الدولة، دولة موازية للدولة، مواطنوها يأخذون أموال ضرائبك، ثم يعاملونك كحيوان، ويذبحونك مع أول فرصة سانحة.
لكن ما هي هذه الإجراءات التي سيتخذها ماكرون، هل ستنجح؟ ما مدى فعالية الإسلام التنويري؟ وهل ما يحدث هو بداية عصر جديد فرضته العولمة؟ أم قصة قديمة جديدة بدون فعالية، نتحدث في فصل آخر.