قديماً كانوا يضحون بالبشر
زاهي حواس
إذا درسنا الحضارات القديمة فسنجد قاسماً مشتركاً، وهو الاعتقاد في التضحيات البشرية التي يجب (في عقيدتهم) أن تُقدم لإرضاء الآلهة. وقد قام العلماء بدراسة الهياكل العظمية التي عثر عليها داخل الجبانات المختلفة، واتضح أن الجنود الذين يُهزمون في الحروب يُقدمون كقرابين لإله البحار، وأيضاً كان يتم اختيار بعض الأفراد كأضحيات بشرية، يتم ذبحها على المقاصير الخاصة بالمعابد الموجودة بالمواقع الأثرية، وأن أغلب المعابد الموجودة خُصصت لعبادة الشمس والبحار والجبال.
وقد يعتقد البعض أن الحضارة المصرية القديمة لم تكن فيها تضحيات بشرية. وهناك كثير من الدارسين للأسف الشديد ينفون ذلك، رغم أن الحقيقة العلمية أنه كانت هناك تضحيات بشرية للفراعنة في بدايات حضارتهم.
أما القصة فتبدأ عندما قام أبو المصريات الإنجليزي السير فلندرز بتري، الذي يعتبر من أهم الحفارين وأعظمهم على مدار القرون الماضية، بالكشف عن جبانة تخص ملوك الأسرة الأولى الذين دُفنوا في أم الجعاب في العرابة المدفونة أو أبيدوس حالياً، وخاصة أن ملوك هذه الأسرة ينتمون إلى بلدة تعرف باسم «ثني»، وكذلك دُفن في نفس الجبانة آخر ملكين من ملوك الأسرة الثانية.
وكان هناك كثير من العلماء الذين اعتقدوا أن ملوك الأسرة الأولى دُفنوا في سقارة نظراً لكبر حجم المقابر، بالإضافة إلى العثور على أسماء ملوك هذه الأسرة داخل المقابر، إلا أن كل الأثريين الذين درسوا هذه الفترة وجدوا أن مقابر منطقة سقارة تخص الموظفين الذين عاشوا خلال الأسرة الأولى، ولذلك وضعوا أسماء الملوك الذين عاصروهم داخلها.
أما مقابر أبيدوس فهي مقابر ملكية خالصة، تتقدمها مائدة قرابين تحمل صفة المعبد الجنائزي، وبعد ذلك يقع المعبد الذي يوازي معبد الوادي في الدولة القديمة في منطقة تبعد نحو كيلومترين، تعرف اليوم بمنطقة شونة الزبيب، وعثروا داخل هذه المعابد على أقدم مراكب خشبية بمصر، يرجع عمرها إلى خمسة آلاف عام.
وعندما قام بتري بالحفر عن مقابر ملوك الأسرة الأولى، وجد أن هناك مقابر فرعية حول المقبرة الرئيسية، ويوجد داخل هذه المقابر دفنات قام العلماء بفحصها، واتضح أنها تضحيات بشرية، ولكن أقر العلماء أن كل الأدلة تشير إلى أنهم لم يقتلوا لكي يدفنوا بجوار الملوك، ولكن وضح من دراسة بعض الهياكل أنها عبارة عن عملية انتحارية لكي يُدفن بجوار الملك ويعيش معه في الحياة الأخرى. وقد نشر بتري كل هذه الأدلة، وقام كثير من المصريين، بل والأجانب، بمهاجمته وإنكار هذا الموضوع تماماً؛ بل قالوا إنه حاول أن يقلل من عظمة الحضارة، ولكن جاء الألماني عالم المصريات جونتن دراير ليعيد حفائر المقابر بأم الجعاب، وليؤكد هذه الحقيقة تماماً.
لذلك نستطيع أن نقول: إن المفاهيم الدينية في بداية الحضارة المصرية سارت على نهج الحضارات الأخرى التي تلتها في التضحيات، ولكن دون قتل البشر، وقد أوقف المصريون تماماً هذه العملية من الأسرة الثانية حتى نهاية التاريخ الفرعوني؛ لأنهم وجدوا أن الشخص يمكن أن يُدفن بجوار الملك بعد موته؛ ولذلك سارعوا ببناء المقابر حول الأهرامات.
…………………………….
الشرق الأوسط