قتلُ الآخر من وحي الاستقلال
فرج عبدالسلام
نعرفُ أنّ قتل الآخرِ المختلفِ أمرٌ ليس بجديد، وتُحدّثنا الرواياتُ عن أوّل جريمةٍ معروفة في التاريخ، بين ابنيْ آدم. ومذّاك الوقت يعجّ تاريخ البشرية بالأحداث الجسام، التي قام فيها البشرُ من مختلف المِلل والنِّحل بقتل بعضهم البعض لأسبابٍ شتى. ليس أقلّها الخلاف والاختلاف حول قضية ما، لكن إذا ما غضضنا النظر عن القضايا الجنائية المختلفة التي تجعل إنسانا ما يقتل أخر، نجدُ أنّ النصيب الأوفر في إطلاق عمليات القتل والحثّ عليها، مسجّلٌ باسم الطغاة والمستبدين، على اختلاف أنواعهم وأزمنتهم، وأشهرهم بالطبع الزعيم النازي (هتلر)، حيث تسببت الحرب العالمية الثانية التي أشعلها في وقوعِ ما بين 50 و85 مليون قتيل؛ ولذلك تعدُّ هذه أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية. وفي عالمنا العربي يحتل الرئيس السوري الأسدُ، نصيبَ الأسدِ، بعد أن حصدت الحرب الأهلية التي أجّجها أرواح أكثر من نصف مليون سوري، وأدت إلى تهجير الملايين من مواطنيه في أصقاع الأرض.
ربما هناك غرابة ما، بين هذه المقدمة عن الحروب والقتل، والموضوع الذي أريد الحديث عنه، وهو ذكرى استقلال ليبيا الذي يوافق هذا اليوم. النظامُ الملكيّ لم يدم سوى ثمانية عشر عاما، قبل أن يُنقضّ عليه، وهو في مرحلة تَبرعمِه (في لحظة من لحظات القدر الرهيبة) كما وصفها صاحبُ سبتمبر.
من عاصروا عهدَ المملكةِ، ومن سمعوا عنه بـ (عقولهم) يعرفون حقّ المعرفة أنّ ليبيا خرجت من براثن استعمارٍ بغيض، ومن بعده عهد الإدارة المتعددة الجهات، وأفضلُ وصفٍ شعبيّ يُطلق عليها هو أن البلاد كانت (سفرتح) بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن بفضل الوطنيين المخلصين من أبنائها، وُضِعت على طريق النموّ والتطور المحسوب، وفقا للموارد الشحيحة المتاحة، حتى جاء ذلك اليوم الرهيب.
هناك الكثير من الوقفات المضيئة في ذلك الزمن القصير، لكن سأشير هنا إلى ما أعتبرهُ غاية في الأهمية، ويُعدّ من أبرز سماتِ عهد المملكة، وهي مسألة قتل الآخرين المختلفين، وقد اكتوينا بنار هذا الفعل الشنيع، وما نزال، وكيفية التعامل معها بين نظامي المملكة وسبتمبر، ولا أتحدّثُ عن مرحلة فبراير المرتبِكةِ المُرْبِكة، لأن الشواهد والدلائل تقول إنها ليست إلاّ امتدادا للعهد الذي سبقها، ولا أظن أننا بحاجة إلى دليل على ذلك. أرى أنه من الواجب يجب أن يعلم الغافلون والمتطاولون على عهد المملكة، أنه لمْ تحدث طوال ثمانية عشر عاما عمليةَ قتلٍ سياسيّ (واحدة) وحبذا لو وضعنا خطوطاً لا نهاية لها تحت كلمة واحدة، بينما بدأ قتل الآخر في عهد سبتمبر، قبل حتّى أن تنقضي ثلاثة شهور على مجيئه، واستمر فيه مسلسل القتل حتى بعد انتفاضة فبراير التي تحوّلت إلى ثورةٍ عارمةٍ قبل أن تصاب بسقمٍ مريع لم تتعاف منه حتى الآن. قد يقول قائل، ما دام ذلك هو الوضعُ، والناس آمنون، وهو الشيء الذي نفتقده أكثر في زمن فبراير، فلمَ لا ننظرُ إلى الخلف قليلا، ونستلهمُ العِبر المضيئة مِن زمنِ المملكةِ الرائع، فقد تكون بدايةً لتوجّه الليبيين نحو النور، وخلاصهم من كابوسهم الطويل.