قبل أن تلقى فزَّان مصير جنوب السودان!
عبدالوهاب قرينقو
لليوم العشرين على التوالي يتنامى حراك “غضب فزان” في شكله السلمي، فيما تباينت ردات الفعل بين مؤيد ومعارض، ومن يرى وجوب إيجاد حل جذري لمشاكل المناطق الجنوبية من البلاد، ليس بسبب الأوضاع الأمنية السيئة المعروفة والمعيشية الكارثية وحسب، بل لتنازع السلطتان شرقاً وغرباً على تبعية (الإقليم) كل طرف يجره صوبه.. ففي حين تتبع أكثر مناطقه عسكرياً القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية –شرقاً- فإنها تتبع إدارياً حكومة الوفاق –غرباً- وبعض البلديات تتحايل لأجل توفير أساسيات الحياة لمواطنيها؛ فتتعامل في آن مع حكومتي السراج والثني علّها تحصل على نزر يسير من كل حكومة، فيما يراه أهل الجنوب ضعف حال يشبه إلى حد ما التسوّل، فيما يعيشون فوق أرض تفيض بخيرات البلاد ولا يدركون من خيراتها غير فتات مُغمّس بخطر العيش هناك وبين ظهرانيهم عصابات تشادية مارقة أو قوة معارضة سودانية لم يعد وجودها سراً، ناهيك عن العصابات المحلية ومافيات تهريب البشر والسلع والوقود والمخدرات.
في آواخر أكتوبر الماضي بلغ احتقان أهل الجنوب الأوسط والغربي مداه بإطلاق حراك “غضب فزان” الذي لوّح بسلاح إغلاق الحقول النفطية بعد تجاهل الساسة لهذا الإقليم الشاسع من أرض ليبيا، وبه ثلاثة أرباع ثرواتها من نفط وماء ومعادن وأراضٍ فلاحية خصبة. على مدار السنوات السبع الماضية شهدت أرجاء متفرقة من البلاد إغلاقات مشابهة شرقاً وغرباً من أطراف وجماعات محددة .. ومن مليشيات وأفراد في حالات أخرى.. لكل مطالبه الخاصة، وفي كل مرة كانت الحكومات المتشظية ومُلّاك سلطة المال والسلاح تحل كل مشكلة بشكل معزول ومؤقت دون حلول جذرية .. ويقترب التعامل مع حراك “غضب فزان” اليوم من نفس المعالجة السطحية المغلوطة.
الوضع هذه المرة مختلف، ففي حين لاقى الحراك انقساماً من أهل الجنوب الأوسط والغربي أنفسهم، إلا أنَّهُ مع تعاقب الأيام وتتالي المواقف المريبة من صناع القرار بين صامت وهازئ فإن الحراك يتمدد وينضم إليه من كان بالأمس معارضاً أو حتى متحفظاً في ظل مايشهده الجنوب من تهميش وظلم صارخين.. فهل يستفيق صناع القرار شمالاً بالخطر المحدق قبل أن تستغل أطراف خارجية كعادتها هذا الحراك السلمي وتزكي ناره؟ فما أسهل تحريك الجموع والأصعب إخمادها .. وحال البلاد قاطبة وما وصلت إليه خير برهان.