في ذكرى وفاتها.. كيف اختلف أدب رضوى عاشور عن الأصوات النسائية؟
“افتحوا الأبواب لتدخل السيدة.. من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب ينشغل عن المحبوب، الآن أطلب من حزني أن يتجه إلى أقرب بوابة ويغادر هادئا كما أشاء أو هادرا كما يشاء، لكن دون أن يلفت الأنظار”.
بهذه الكلمات الحزينة نعى الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي زوجته الأديبة المصرية رضوى عاشور، بعد 40 يومًا من وفاتها، في 30 نوفمبر من العام 2014، بعد صراع طويل مع المرض لم يشعر به أحد من قُرّائها.
رضوى عاشور، أحد الأسماء الأنثوية العربية القلائل اللائي زلزلن الأدب العربي، وبشكل خاص فن الرواية، ولم يقتصر الأمر على التأثير في لغتها بل امتدت أعمالها لتترجم إلى العديد من اللغات الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، فكانت طائرًا يغرد خارج السرب، فهي لم تنشغل بقضايا المرأة وحروبها الحاضرة كما تفعل أديبات العصر الحديث بقدر ما انشغلت بالإنسان في كل زمان ومكان، بل كانت أكثر جرأة على الدخول إلى سرداب لم تجرؤ أي من الأديبات المعاصرات على دخوله وهو التاريخ.
التاريخ ورضوى عاشور:
“يحكي الواحد منا عن أمر موجع لحجب الأمر الأكثر إيلاماً”، هكذا كتبت الأستاذة الجامعية رضوى عاشور في روايتها “ثلاثية غرناطة”، إحدى أشهر أعمالها، والتي تروي فيها عن طريق 3 أجزاء هي “غرناطة، ومريمة، والرحيل” مأساة سقوط الأندلس وبخاصة آخر مملكة أندلسية وهي “غرناطة” في بكائية ملحمية عظيمة لم يكتب أحد مثلها من قبل، وقد جعلتها هذه الثلاثية على قمة الهرم الأدبي في الوطن العربي.
نساء قليلات في الوطن العربي اللائي اخترن تلك المنطقة، فأعمال مثل “ثلاثية غرناطة” و”الطنطورية” تروي تاريخ أناس عاشوا في عصور سبقت، ولكن بأحلام تشبه أحلامنا تمامًا بل وشاركونا كذلك المخاوف، وهي منطقة روائية لم تستطع كاتبة عربية أخرى أن تدخلها غيرها والروائية المصرية سلوى بكر، والروائية التركية “إليف شافاق”، ولكن أي من هاتين التجربتين لم تكونا بقوة أعمال رضوى عاشور.
المكان في حكايات “رضوى”:
“تكتسب الأماكن فجأة معنى جديد حين تتعرف على حكايتها”.. هكذا كتبت في روايتها “أطياف” وهذا ما جسدته في كتب مثل “قطعة من أوروبا” الكتاب الذي صدر لها في 2003، وكذلك في “غرناطة” وفي “الطنطورية” على شاطئ البحر في فلسطين المحتلة، فالمكان له معنى عند رضوى عاشور، وهي تعرف ذلك جيداً بل تتشربه وتخرجه لنا معنى عميقًا في سطور هادئة تلقننا الالتفات إلى الجانب الثاني من الوجود، فالمكان كالزمان في أعمال رضوى عاشور، يخبرنا قصص الأرواح التي عاشت فيه.
الاحتفاء برضوى عاشور:
تلقت رضوى عاشور العديد من الجوائز كان أهمها جائزة أفضل كتاب لعام 1994 عن الجزء الأول من “ثلاثية غرناطة”، على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن “ثلاثية غرناطة”، وجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وجائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي في إيطاليا، وكذلك جائزة بسكارا بروزو عن الترجمة الإيطالية لرواية أطياف في إيطاليا، وغيرها من الجوائز، ولكن ليس ككل الكتاب أيضًا، فقد كانت الكتابة لرضوى عاشور ليست للحصول على التقدير الذي لم تسعَ إليه ولكن لحكمة أكبر، فالكتابة لديها كانت كما قالت ذات يوم: “أكتب لأنني أحب الكتابة، وأحب الكتابة لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعة بها”.