في ذكرى استقلالها.. بلاد تُحبّنا ونحن نُؤذيها
الحسين المسوري
في ذكرى الاستقلال، الذي حقّقه الأجداد، رغم شحّ الموارد ونقص الكوادر الشديد، في مختلف المجالات وركام الحرب العالمية الثانية، الذي أضرّ بأكبر مدن البلاد؛ انتقلت دولة الاستقلال بمجتمع أنهكته الحرب وخيّم عليه الفقر والمرض، إلى دولة تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، حيث راهنت دولة الاستقلال على بناء الإنسان، عبر الاهتمام بالتعليم والثقافة والصحة، وترسيخ التسامح وتعزيز السلم الأهلي، وحافظت على سياسة معتدلة في علاقاتها الخارجية.. فلا عداء مع أحد ولا شعارات ولا مزايدات، بل “مصلحة ليبيا والليبيين أولاً وأخيرًا”.
اليوم؛ تمر ذكرى الاستقلال وسط ظروف استثنائية صعبة، تعيشها ليبيا جرّاء “صراع الأحفاد على السلطة والثروة”، صراع لم توفر فيه أطرافه أي وسيلة سيئة إلا واستخدمتها، وتحولت البلاد إلى ملعب للصراع الإقليمي والدولي، يُهدد استقلالها ووحدتها ونسيجها الاجتماعي.
في بلاد تمنحنا شاطئًا شاسعًا بعرض البلاد من شرقها إلى غربها فيه كل شيء الرمال والأسماك والصخور والخلجان ومع ذلك نفتح عليها المجاري!!!.. في بلاد تفرش لنا سهولا خضراء وتنصب جبالا عصماء وتُظلّنا بغابات كثيفة ومع ذلك نجرفها ونحرق أشجارها…في بلاد تُظلّل لنا صحراؤها واحات فيها نخلات باسقات تُسقط رطبًا وتمرًا، ومن تحتها تُكرمنا بثروات وخيرات من شمالها إلى جنوبها، ومع ذلك “نحرقها ونخربها”.
في بلاد، أهدتنا “الصادق النيهوم، وخديجة الجهمي، ويوسف القويري، ومرضية النعاس، ومحمد الشلطامي، وبدرية الأشهب، وإبراهيم الكوني، وحميدة العنيزي، وسعيد المحروق، وفاضل المسعودي، ورشاد الهوني، ومحمد الزواوي، وحسن عريبي، وسلام قدري، وعادل عبدالمجيد، ونوري كمال، وأحمد فكرون، وناصر المزداوي، ومصطفى البتير، وعوض اعبيدة، ولطفية إبراهيم، وعلي العريبي الوادي، ومحمد بالراس علي، وفوزي العيساوي، وبن صويد والبشاري، وعاشور الزروق وعوض عون، وعلي البسكي، والهاشمي البهلول”، وغيرهم من المبدعين في مختلف المجالات الذين لا نحتفي بهم وننتقص من قدرهم وعطائهم.
في بلاد، منحتنا جذورها الصوفية المحبة والبساطة، حيث الزوايا المباركة مراكز للتسامح والزهد والتكافل تنثر الود والبهجة والفرح بين الليبيين، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، بتراتيل الأناشيد وقصائد المديح في “الميلود والمقريطة وأسبوع الزوايا والعاشورا”؛ التي تصدح في سماء بلاد تُزينها قباب الصالحين، لكننا نُصّر على استبدالها بتيار الكراهية والحقد والدماء والثأر والانتقام.
في بلاد، جمعت فسيفساء من مختلف الثقافات والحضارات، واحتفظت لنا بمدن أثرية، كما “قورينا الجميلة ولبدة العظيمة وجرمة الرائعة”، وبدلاً من أن نرتقي وننتج من خلال هذا التنوع، فسيفساء تنهل من كل الثقافات وتنصهر في بوتقة وطنية متنوعة؛ قابلناها بالتعصب والإقصاء.
في ذكرى استقلالها؛ ليبيا التي تُحبنا ونحن نُؤذيها ونُرد عليها جاحدين وعابثين، نعم للأسف هذه الحقيقة، ولن نجد أفضل ما يعبر عن الواقع الذي تعيشه البلاد، ممّا قاله الملك الراحل إدريس السنوسي “إن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله”، وللأسف هذا ما حدث.