«فيسبوك» ينتصر والديمقراطية تخسر
سيفا فايدياناثان
كشف «فيسبوك»، الأربعاء الماضي، أن المئات من الحسابات التي تتخذ من روسيا مقراً لها أطلقت إعلانات معادية لهيلاري كلينتون تستهدف على نحو محدد مستخدمي «فيسبوك» الذين توحي الخلفية الديموغرافية لهم بأنهم ربما يتأثرون بجهود الدعاية السياسية. والمعتقد أن الأمر سوف يستغرق وقتاً لإثبات ما إذا كان أصحاب هذه الحسابات على صلة بالحكومة الروسية، بيد أن ثمة أمرا جليا: لقد أسهم «فيسبوك» في، واستفاد من، انحسار الأعراف الديمقراطية داخل الولايات المتحدة وغيرها.
إن الوقاحة التي تنطوي عليها محاولة قوة أجنبية التأثير على الناخبين الأميركيين تثير قلقنا أشد القلق، لكن ما ينبغي أن يثير قلقنا على نحو أكبر كيف أن «فيسبوك» يسهل الأمر أمام مثل هذه المحاولات على نحو كبير، ويعفي الإعلانات السياسية من القواعد الأساسية للمحاسبة والشفافية التي تحتاجها الديمقراطية الصحيحة.
وتبعاً لما أوضحه أليكس ستاموس، رئيس شؤون الأمن لدى «فيسبوك»، فإن غالبية إعلانات «فيسبوك» لم تذكر بصورة مباشرة مرشحا رئاسيا بعينه، لكن «بدا أنها تركز على تأجيج الرسائل الاجتماعية والسياسية المثيرة لروح الفرقة عبر مختلف ألوان الطيف السياسي – وتناولت قضايا متنوعة، بدءًا من المسائل المتعلقة بالمثليين والمتحولين جنسياً مروراً بالقضايا العنصرية والهجرة وصولاً إلى حقوق امتلاك أسلحة».
وتنتمي الإعلانات – التي بلغ عددها قرابة 3000 وأطلقها 470 حساباً وصفحة، بإجمالي إنفاق بلغ 100 ألف دولار تقريباً – لما يطلق عليه داخل صناعة الإعلان «المنشورات السوداء»، ذلك أنها لا تظهر سوى أمام جمهور محدد للغاية.
ولا ينبغي أن يمثل هذا لنا مفاجأة، ذلك أن أي شخص باستطاعته نشر إعلانات عبر «فيسبوك»، لسهولة الأمر وتكاليفه الزهيدة. ويعد هذا واحداً من الأسباب وراء التنامي السريع للغاية الذي شهده «فيسبوك»، الذي حقق عائدات بقيمة 27.6 مليار دولار عام 2016، جميعها تقريباً من جهات إعلانية تسعى لجذب انتباه مستخدمي «فيسبوك» البالغ عددهم تريليوني شخص.
وتحظى هذه الخدمة بشعبية واسعة بين الجهات الإعلانية لكفاءتها وفاعليتها واستجابتها. المعروف أن «فيسبوك» يوفر بيانات مرتدة ثرية وفورية إلى الجهات المعلنة، ما يمكنها من العمل سريعاً على تعديل الإعلانات لتحسين مستوى النتائج أو إدخال مزيد من التعديلات على الرسائل والجمهور المستهدف. في الواقع، ليس ثمة أمر غامض أو غير ملائم في النظام ذاته، ما دام أنه يستخدم لأغراض تجارية، وليس سياسية. بيد أن الأمر المثير للقلق أن المسؤولين التنفيذيين لدى «فيسبوك» لا يبدو أنهم يستوعبون، أو يهتمون لأمر، هذا الاختلاف.
جدير بالذكر أنه من بين المبادئ المحورية في جهود الإعلان السياسي، الشفافية – من المفترض أن تكون الإعلانات السياسية واضحة بسهولة أمام الجميع، ومن المفترض أن يعي الجميع أنها إعلانات سياسية، ويعرفون مصدرها. والمعروف أن نشر نسخة واحدة من إعلان ما عبر وسيلة تقليدية أمر مكلف، ناهيك عن عشرات النسخ المختلفة. إضافة إلى ذلك، فإنه فيما يتعلق بالحملات الفيدرالية داخل الولايات المتحدة، فإن قانون ماكين – فاينغولد لتمويل الحملات الصادر عام 2002 يفرض على المرشحين ضرورة الإعلان عن موافقتهم على إعلان ما، وبالتالي تحمل المسؤولية عن محتواه.
في المقابل، نجد أن أياً من هذه المسائل المتعلقة بالشفافية تحمل أهمية بالنسبة للقائمين على «فيسبوك». على سبيل المثال، فإن الإعلانات الموجهة للرجال من أصول لاتينية الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 ويملكون منازل خاصة بهم في نورزرن فيرجينيا، لن يراها أي شخص آخر، وستظهر لفترة قصيرة فقط قبل أن تختفي. وعليه، فإن ثمة مساحة هائلة لإساءة الاستخدام متاحة عبر الموقع، ومن الممكن أن تؤجج إعلانات الكراهية العنصرية، في الوقت الذي ليس بمقدور أي شخص الاستعداد أو الاستجابة قبل وقوع ضرر خطير.
للأسف، فإن حجم الاستجابات الممكنة لمثل هذه المشكلة محدود، ذلك أن التعديل الأول يمنح حماية واسعة لجهات النشر، مثل «فيسبوك». وقد أخفقت الجهود الدبلوماسية، حتى الخشنة منها، في تثبيط روسيا عن التدخل في الانتخابات الأميركية. وتتضاءل احتمالات نجاح هذه الجهود في ظل الإدارة الحالية.
من جهته، اقترح دانييل كريس، بروفسور الاتصال بجامعة نورث كارولينا، احتفاظ مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» بمخزون الإعلانات بحيث يتمكن مسؤولون من جهات تنظيمية وأكاديميون وصحافيون ومواطنون عاديون من تفحصها. إلا أنه ليس ثمة دافع لدى الشركات القائمة وراء هذه المواقع للالتزام بذلك والتنسيق مع الجهات المعنية. ومن غير المحتمل أن يقدم الكونغرس على إصلاح نظام بدأ المعنيون بالحملات الانتخابية للتو تعلم كيفية إدارته.
من جانبه، ليس لدى «فيسبوك» حافز لتغيير أسلوب عمله الحالي، خاصة في ظل ما يحصده من أموال ضخمة، بجانب ضبابية هذه القضايا. وكلما توغل «فيسبوك» في حياتنا وحياة عائلاتنا والمجتمعات التي نعيش داخلها، زادت صعوبة العيش من دونه.
كان «فيسبوك» قد تعهد بإقرار أنظمة «تنقية» أفضل بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بهدف رصد الحسابات التي تديرها «بوت إنترنت» أو تنتهك شروط الاستخدام الخاصة بالموقع.
وعليه، تتركز آمالنا على بروكسل ولندن، ذلك أن جهات تنظيمية أوروبية تراقب «فيسبوك» و«غوغل» منذ سنوات، واتخذت بالفعل إجراءات قوية ضد الشركتين لانتهاكهما معايير حماية بيانات العملاء والمنافسة التجارية الأوروبية. وتجري الحكومة البريطانية تحقيقاً في الوقت الراهن حول دور «فيسبوك» وكيفية استخدامه لبيانات المواطنين خلال استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي 2016 والانتخابات الوطنية عام 2017.
في الواقع، إننا في خضم هجوم عالمي ضد الديمقراطية يجري عبر الإنترنت. وقد تتبع أساتذة داخل «معهد أكسفورد للإنترنت» جيوشاً من المتطوعين و«بوت الإنترنت» خلال نشرها بيانات عبر «فيسبوك» و«تويتر» في ظل محاولات لتقويض الثقة في الديمقراطية أو التأثير على الناخبين للتصويت لصالح مرشحين مفضلين في الفلبين أو الهند أو فرنسا أو هولندا أو بريطانيا أو غيرها. كما أننا نعلم الآن أن روسيا تعمد لاستغلال نظام الإعلانات القوي في «فيسبوك» على نحو مباشر.
في خضم حرب المعلومات الجارية التي تشهدها شبكات التواصل الاجتماعي في القرن الـ21، تبدو الديمقراطية الضحية الأولى.
_______________________________