فنانون ليبيون يفتحون قلوبهم لـ218 ليحكوا “أوجاع” الأغنية الليبية
خاص 218| خلود الفلاح
أين تقف الأغنية الليبية اليوم؟ هل استطاعت أن تجد لها مكانًا في السوق العربي؟ هل هناك تحدٍ يواجه الأغنية الليبية لتكون صالحة لكل الأجيال؟ هل تجديد الأغاني الليبية القديمة نقطة نجاح تضاف إلى هذه الأغاني؟
في هذا التقرير يتحدث فنانون ليبيون عن شركات الإنتاج الفني، والصعاب التي تمنع الاغنية من الحضور عربيًا.
الأغاني القديمة الجميلة تستحق إعادة التسجيل بأصوات جديدة
يقول الباحث في الموسيقى الدكتور عبد الله السباعي إن الأغنية الليبية تقف اليوم في مفترق طرق، وتمرّ بفترة ركود فني وتجاري؛ نتيجة عدة أسباب؛ لعلّ من أهمها غياب أغلب فرسانها المتميزون من كتاب كلمة، وملحنين، ومطربين، غيَّبهم الموت خلال السنوات الماضية، رحمهم الله جميعًا. يُضاف إلى ذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد في هذه الفترة الحرجة من تاريخها الطويل بعد فبراير 2011.
ويعتقد عبد الله السباعي أن صانعي الأغنية الليبية، خلال تاريخها الطويل، لم يسعوا في يوم من الأيام لغزو السوق العربي وإثبات الوجود أمام الألوان الغنائية العربية التي نجحت في الانتشار بالدعم المعنوي والمادي الكبيرين، والتغطية الإعلامية الواسعة، التي وفرتها حكوماتهم وشركاتهم الخاصة.
وغياب هذا الدعم عن الأغنية الليبية؛ لم يمنع انتشار بعض الأغاني الليبية، ورواجها في السوق العربي، خلال العقود الماضية؛ نتيجة لجهود فردية بذلها صانعوها ومنتجوها.
وذكر بهذه المناسبة ثلاثة أعمال هي؛ أغنية “يسلم عليك العقل”، للمرحوم محمد حسن، وأغنية “حبيبي يا نور العين” للفنان ناصر المزداوي، وأغنية “وعيوني سهارى” للفنان حسين الجيلاني.
وأوضح عبد الله السباعي أن الأغنية مرآة عصرها، وليس شرطًا أن تكون صالحة لكل الأجيال، وأن تجد لها مستمعين ومشجعين في كل وقت وحين.
ولو تأملنا في الإنتاج الغنائي خلال العقود الماضية؛ سنجد أن مئات الأغاني قد ظهرت وانتشرت بين الناس، ولاقت نجاحًا وانتشارًا في وقتها، ولكنها الآن اختفت من الميدان، وطواها الزمن والنسيان.
ولا شك أن بعض الأعمال البارزة الجميلة والصادقة قد تجد لها قبولاً عند الناس اليوم، وهي ما نسميه بـ”فنون الزمن الجميل”.
لا يرى الباحث في الموسيقى، عبدالله السباعي، أي مشكلة في إعادة تجديد الأغاني القديمة، وأضاف: هذا شيء لا بأس به، فهو يفكرني بتجديد وترميم الآثار حتى يتمكن الناس من مشاهدتها والاستمتاع بجمالها؛ فأغلب آثار مدننا القديمة قد تمَّ ترميمها وإعادة بنائها، بعد إظهارها من تحت أكوام الرمال والأتربة.
وأردف: لا شك أن هناك الكثير من الأغاني القديمة الجميلة التي تستحقّ إعادة التسجيل بأصوات جديدة، وبتقنيات صوتية فائقة الجودة، ولكن بشرط المحافظة على شكلها القديم، وعدم التصرف بحذف، أو إضافة في نصّها أو لحنها أو إيقاعها بحجة التطوير والتحديث.
وتابع بالقول: لعل ما قامت به فرقة الزمن الجميل في بنغازي، من تجديد بعض الأعمال الغنائية القديمة، مثل أغنية “طيرين في عش الوفا”، من ألحان المرحوم يوسف العالم، وكلمات المرحوم عبد السلام قادربوه، وغناء المرحوم محمد صدقي، والتي أدَّاها الفنان حسن البيجو؛ خير مثال على نجاح مثل هذا التجديد.
“وسائل التواصل الاجتماعي” تساهم اليوم في انتشار الفنان
ترى الفنانة أميرة يوسف أن الأغنية الليبية ما زالت بعيدة عن السوق العربية؛ وذلك لاستمرار عدم الدعم وخاصة في الوضع الحالي الذي تمر به بلادنا الحبيبة.
وتلفت أميرة يوسف إلى أن هناك بشاير خير تلوح في الأفق بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكنها أن تساهم في تحقيق الانتشار الفني؛ حيث يجب على الفنان العمل على إنتاج أغنية ليبية تقترب من وجدان المستمع.
وتؤكد الفنانة أميرة يوسف أن أغنيتنا الليبية تواجه تحديًا كبيرًا؛ إذ يجب عليها مواكبة العصر لتجد القبول عند مختلف الأجيال، ولدينا كلمة جيدة ولحن جميل وأصوات رائعة، وهناك من جدّد الأغاني القديمة بتحديث التوزيع، ولكن لم ينصفها الجمهور، ربما لاعتياده على صوت أول من غنّاها.
وتعتقد ضيفتنا أن المستمع الليبي غالبًا ما يرفض التجديد ويعتبر المطرب الأول شيئًا مقدسًا، ولا يستطيع أحد أن يقدم أغنيته بنفس الجدارة.
من هذا المنطلق؛ ترى ضيفتنا أنه لابد من الاهتمام بتقديم أغانٍ جديدة، وتقديم الأغنية الليبية بشكل جيد على المستوى العربي.
غياب الاهتمام الإعلامي أثر سلبيًا على الأغنية الليبية
تعيش الأغنية الليبية، بحسب الفنان رمضان كازوز، حالة ركود تام في الوقت الحالي، إذ لا يوجد مسوّق أو موزّع للأغنية الليبية، وليس لها سوق عربي لعدم وصولها إلى السوق العربي في الأساس.
ويلفت رمضان كازوز إلى أن هناك عدة أسباب وراء غياب الأغنية الليبية؛ منها عدم اهتمام وسائل الإعلام بالفن الليبي ودعمه، عدم رصد الإمكانيات المادية له للاستمرار، وغياب المنتج المتخصص وشركات الدعاية والاعلان.
ويشير رمضان كازوز إلى أن الأغنية الليبية تواجه تحديًا آخر، وهو ما تقوم به إذاعاتنا الليبية من تسويق للأغنية العربية في مقابل نسيان المبدع الليبي واعتمادها على الأعمال الهابطة، التي تعتبر في التقييم الفني ذات مؤشر سلبي على المجتمع، وتزرع التغريب لدى الأجيال الحالية والقادمة وتبعدها عن تراثها الليبي الراقي “كلمة، ولحن، وصورة رائعة”.
ويعتبر الفنان رمضان كازوز من المؤيّدين لإعادة توزيع الأغاني الليبية القديمة بشرط عدم إضافة نغمات وإيقاعات غربية على التراث الليبي، حيث يجب أن يكون هذا التجديد من تنفيذ حديث وآلات شرقية وإمكانات تسجيل حديثة؛ مجاراة لما يقوم به المبدعون العرب.
إنشاء المعاهد والأكاديميات الفنية مسألة ضرورية
ويقول الملحن خالد لطفي، إن الأغنية الليبية تعتمد في مجملها على نص غنائي يكتبه شعراء، ولحن ذي نكهة خاصة وإيقاع جميل ومميز ومطربين تعاقبوا علينا عبر أجيال عديدة، منهم الأصوات الجميلة الموهوبة ومنهم من لا يرقى حتى إلى أن نضعه في مجموعة صوتية.
وباستثناء بعض الأسماء البسيطة من الذين حاولوا العبور بها خارج حدود الوطن بتجارب فنية محدودة؛ فإن الأغنية الليبية مازالت “خام” وبعيدة عن السوق العربي، وهذا يبدو واضحًا حين البحث عنها في الفضائيات العربية.
ويضيف: هناك العديد من التحديات التي تواجه أغنيتنا الليبية، ولعلّ أولها الاستقرار السياسي وبناء الدولة، وإنشاء المعاهد والأكاديميات الفنية، والاهتمام ورعاية الشباب الموهوبين، لتبرز لنا أجيال تقدّر قيمة الموسيقى والأغنية كرسالة إنسانية سامية.
ويري خالد لطفي، أن مسألة التعاطي مع التراث والأغاني القديمة تشوبها الكثير من المحاذير، نظرًا لأن العديد من الأغاني القديمة جُدّدت لنا بشكل لا يرقى إلى المعاصرة، وهناك أغانٍ أخرى يمكن القول إنها شُوّهت ولم تقدم كما يجب، وأغانٍ سُرقت ونُسبت لغير أصحابها، ولكن أنا مع تجديد الأغاني القديمة ذات العمق الفني والجمال اللحني والإيقاعي، دون المساس بروح اللحن وحقوق أصحابها الأدبية والمادية.
ليس لدينا أغنية وطنية
بدأ الكاتب عبد السلام محمد الزغيبي، حديثه عن الأغنية الليبية بعد فبراير 2011، موضحًا أنها تمرّ بمرحلة انعدام وزن وركود، حيث تقف عند مفترق طرق؛ لأسباب خارجة عن إرادة القائمين عليها نتيجة الواقع الصعب الذي تمر به البلاد، وحالة عدم الاستقرار السياسي وغياب الجهات الممولة للأعمال والنشاطات الفنية.
وأضاف: من خلال متابعتي للقنوات الليبية بعد فبراير، شاهدت فقط بعض الاغاني التي تحاول أن تكون أغاني وطنية، لكنها لا تصل إلى هذا المستوى لأنها أغاني مسيسة ومخصّصة لأشخاص بعينهم.
ونسأله: هل استطاعت الأغنية الليبية أن تجد لها مكانًا في السوق العربي؟ فردّ بالقول: الأغنية الليبية وجدت لها مكانًا مميزًا في الماضي، على ساحة الغناء العربي، منذ نشرها على يد الفنان بشير فهمي في تونس والتأثر بهذه الأغنية لحنًا وأداءً، ومشاركة المطرب محمد صدقي مع فرقة الإذاعة الموسيقية في مهرجان الأغنية المغاربية الذي انتظم بالمغرب العام 1968، وغنى في هذا المهرجان أغنية “يجينا الليل” ولاقت نجاحًا كبيرًا.
وانتشرت الأغنية الليبية كذلك في الأراضي المصرية، حيث شاعت في مناطق مرسى مطروح والصعيد، ومن أشهر من تغنى بها، احميده موسى وبوعبعاب، وفي السبعينات نشرها عدد من الفنانين الليبيين منهم، علي احميده، ناصر المزداوي، وحميد الشاعري.
وكان لاشتراك فنانين ليبين شباب في مسابقات غنائية عربية، مثل الشاب الجيلاني والمطربة سارة والمطرب أيمن الاعتر، دور في نشرها والتعريف بها، ولا نستطيع أن ننسى الدور الكبير الذي قام بها الفنان محمد حسن والحفلات التي كان يقوم بها في تونس وغيرها من البلدان في التعريف بالفن الغنائي الليبي.
وفي المستقبل، عندما تزدهر الأغنية الليبية، مثلما كانت في الماضي القري في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وتحصل على الدعاية الإعلامية اللازمة، ويتم التعريف بها عن طريق الاشتراك في المهرجانات الموسيقية والغنائية العربية؛ ستعود لتأخذ مكانتها المرموقة ويتغنى بها كبار وكبريات المطربين والمطربات العرب، وستكون حاضرة على كل القنوات والشاشات الصغيرة العربية.
ويرى الكاتب عبد السلام الزغيبي، أن التحدي الأول الذي يواجه أغنيتنا الليبية هو تطوير الموسيقى، والألحان، لتلائم الجيل الجديد، والتركيز على المهرجانات المدرسية الغنائية، التي تخرج الأصوات الشبابية الجديدة من أجل إثراء الساحة الغنائية الليبية بدماء جديدة، تساعد في تطويرها.