فقاقيع شمبانيا
فرج عبدالسلام
218TV.net مقال خاص
بالنتيجة التي حققَها الشابُ الفرنسي الطموح إيمانويل ماكرون، والتي بات في حكم المؤكد أنها ستقوده إلى قصر الإليزيه في السابع من مايو القادم، أثبت أنه ليس مجرد فقاعة شمبانيا كما وصفه خصومُه الذين تسرعوا في الحكم عليه دون قراءة جيدة للوقائع على الأرض. تقول الحكايةُ إن فقاعات الشمبانيا، هي نُفّاخات ترتفع في تتابع مثير إلى سطح الشراب منطلقة من قاع الكأس، وصناعة هذه الفقاقيع علمٌ قائمٌ بذاته تقوم عليه مؤسسات كبرى، كما أنها تختلف عن تلك الفقاقيع التي تطلقها المشروبات الغازية المعتادة كونها تدوم مدة أطول، وهذا ما يعطي الشراب شكلا ومذاقا متميزا، لكن في جميع الأحوال تنفقئ هذه الفقاعات في نهاية المطاف، ومن هنا ظهر مَثلُ تشبيه شخصٍ ما، بأنه مجردُ فقاعة شمبانيا مثيرة وجميلة الشكل لكنها زائلةٌ سريعا.
الشاب الفرنسي الطموح الذي لم يتمّ عامَه الأربعين (بمقاييسنا المثقوبةِ لم يبلغ أشدّه ولا وصل سنّ الرشد بعد!) سيكون على رأس إحدى الدول العظمى في العالم، وإلى درجةٍ كبيرةٍ سيتعلق مصيرُ فرنسا ومستقبل أوروبا برؤيتِه. ويأملُ شعبه أن يستخدم ما في جعبته من سحرٍ، لينقذهم من الإرهاب، وأن يعيد إلى أوروبا تماسكها وقوّتها التي ما عادت هناك بعد الخروج البريطاني الذي زعزع أركان الاتحاد.
ليس من السهل، كما قد يتصوّر البعض، وفي بلاد فيكتور هوغو، ولويس باستور، وماري كوري، ونابليون، وشارل ديغول وغيرهم من عظماء الإنسانية، وفي بلاد العلم والثقافة والجمال، أن يأتي أي كان من لا مكان ولا شيء، ليتبوّأ مركز القيادة فيها ويقرّرُ مصيرها، فالبلاد ذات تاريخ عريق، وفيها تقاليدٌ ديموقراطية راسخة، وحركةٌ سياسية نشطة، وإعلام قوي وحرّ يمارس الرقابة العامة ويفلتر الزّبدَ فلا يبقى إلا ما ينفع الناس. لكنها حركة التاريخ في المجتمعات الحيّة تمنح الفرصَ للجميع كي يؤدّوا دورهم في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم، دون اعتبار لشيء غير الحيوية والكفاءة ومراعاة مصالح الوطن الذي يتزعمون.
في بقعتنا البائسة من العالم هذه، اختلطت كافة المعاييرُ والحسابات، وعندما واتتْ الظروفُ المختلفة.. وأزيح عنا الكابوس الأربعيني، وتطلعنا إلى وطن حقيقي يجمعنا ونحقق فيه آدمينا وآمالنا، لم نر مسؤولا تنطبق عليه هذه المعايير المبدئية، وجلُّ من تبوؤوا منصبا ما، فاجؤونا بخيبات شتى، أهمها ضحالةُ الفكر وضيق الأفق حتى أننا نكاد لا نرى أيا منهم يُركّبُ جملة مفيدة يقنعُ فيها القوم بمقدرته وكفاءته. أما الأدهى والأمرّ، وفي ظل غياب الضوابط والمبادئ العامة والقِيم الخاصة، فهو تمسّكهم بالنفوذ والسلطة التي ما كانوا بها يوما يحلمون، فأصبحوا يستغلونها بأسوأ الطرق لمصالحهم الخاصة ومصالح رهطهم حتى صارت البلاد ما هي عليه من دمار وخراب دون أية بادرة أمل تلوح في الأفق تريح الليبيين المعذبين لما يقرب من خمسة عقود. وإني لأتساءلُ مع غيري: من يا ترى أحق بوصف فقاعات الشمبانيا، ماكرون أم “صِحاحُ الوجوهِ” الذين يمسكون بزمام الأمور في وطننا ويظنون زورا أنهم قادة هذه المرحلة؟