فضل الأرانب
عمر أبو القاسم الككلي
يرتبط الأرنب، في التصور العام، بالجبن. ورغم أنه يمتلك مخالبَ، إلا أنه لا يستخدمها في الدفاع عن نفسه. سلاحه الوحيد في الدفاع عن نفسه، أو قل حفظ نفسه، قدرته على الجري السريع قفزا في خط متعرج، ما يمكنه من الهرب من أعدائه من الحيوانات المفترسة في غالب الأحيان، لكنه قلما ينقذه من الجوارح ورصاص الصيادين الماهرين. ثمة تعبير ليبي يقول “رَنَّب” وهي صيغة فعل ماض يطلق على موقف يتراجع فيه شخص ما مؤثرا السلامة في مواجهة شخص آخر أو أشخاص آخرين.
انعقدت، لفترة، صلة متميزة بيني وبين هذا الكائن الناعم الوديع، جعلت الأرانب ترتبط عندي، إلى حد ما، بالثقافة!.فلما كان عمري حوالي تسع أو عشر سنوات كنا نقيم في مزرعة يديرها أبي. تقع المزرعة في منطقة الفرناج، وتعود ملكيتها إلى معمرة إيطالية عجوز كنا نعرفها بالـ “كونتيسة”. كانت لها مزرعة أخرى أكبر من هذه المزرعة بكثير في منطقة أخرى غرب طرابلس. لست أدري كيف خطر لي أن أربي الأرانب. اشتريت أرنبين، أنثى وذكرا، من سوق الجمعة، وكنت قد جهزت لهما حفرة.
تكاثرت الأرانب بسرعة، فهي سريعة التكاثر إلى درجة أن بعض الشعوب جعلت من الأرنب رمزا لإله الخصوبة. فكنا نذبح منها أسبوعيا واحدة أو أكثر. خاصة وأن أسرا قريبة لنا كانت تأتينا، بالأخص في فصلي الربيع والصيف، كل يوم جمعة من أجل الترفيه والاستجمام، فكنا نذبح الأرانب من ضمن مراسم الضيافة.
حفرة الأرانب تحتاج إلى تنظيف يومي، لأن الأرانب تحفر كثيرا لإيجاد ملاجيء لها وتخرج كميات كثيرة من التراب إلى وسط الحفرة، إضافة إلى فضلاتها وبقايا طعامها من الأعشاب. في البداية كنت أقوم بمهمة جلب الغذاء لهذه الأرانب من البرسيم الذي كنا نزرعه وأنواع أخرى من العشب وأقوم بتنظيف الحفرة يوميا، ثم ما لبثت أن وجدت الأمر مملا ومتعبا، خاصة وأني، منذ طفولتي، كنت أميل إلى الراحة (ولا أقول الكسل) و أنفر من العمل الجسدي. فأهملت تنظيف الحفرة والعناية بالأرانب، حتى في ما يتعلق بتغذيتها. لذا امتلأت الحفرة بالتراب والفضلات وصارت الأرانب تخرج باحثة عن غذائها وتعود إلى الحفرة، إلى درجة أنها أصبحت هدفا للصيادين الذين يأتون إلى الاصطياد في منطقة برية ملاصقة للمزرعة التي كنا نسكنها.
هنا أريد أن أصحح معلومة متداولة من أن المعدنوس يقتل الأرانب لو أكلته. فقد حدث أن انطلقت هذه الأرانب ليلا وأتت على جدول معدنوس فتركته قاعا صفصفا، ولم تتضرر.
كنت، أحيانا، آخذ أرنبا أو اثنين منها وأذهب ماشيا، أو على دراجة، إلى سوق الجمعة لأبيعها هناك وأشتري، بجزء من ثمنها، كتبا من باعة الكتب على الرصيف، إذ لَمَّا أتعرفْ على المكتبات وقتها. كانت أغلب الكتب التي أشتريها حينها كتب السير الشعبية، مثل سيرة عنترة، وأجزاء من ألف ليلة وليلة.
وبذا تكون الأرانب قد أسهمت بنصيب وافر في تكوين قاعدتي الثقافية، إلى جانب إسهامها، طبعا، في مدي ببعض احتياجات جسمي من البروتين ومتعة تناول اللحم.