فضائل
عمر أبو القاسم الككلي
من عادتي، حين أذهب إلى معرض كتاب (ولا أظن أنني متفرد بهذه العادة) أن أتجول في الأجنحة وأستكشف الكتب الواقعة في مجال اهتماماتي وأسأل عن أسعارها. ثم أبيت ليلي أضرب أعشارا في أسباع، وأحذف، أو أضيف، بما يتوافق مع مساحة غطائي، لأعود، في اليوم الموالي، إلى المعرض لأشتري الكتب التي قررت شراءها.
حين جئت أحد الأجنحة الموجود بها أحد الكتب التي قررت شراءها، كانت البائعة فتاة ذات قوام موزون لا زحاف ولا علل فيه، وكانت ذات روح خفيفة مرحة. وقد انجلت لي روحها الخفيفة المرحة من حديثها مع رجل مسن كان من الواضح أنه يتغزل بها. كانت مع الرجل زوجته (التي كانت تبدو أكثر “إسنانا” منه) وكانت تبتسم ابتسامة من يستسلم للأمر الواقع. فليس من الحكمة في شيء محاولة التصدي لحكم الواقع. كانت الفتاة ذات القوام الموزون والروح الجذلة تضحك، وهي تسوي بعض مستلزمات عملها، قائلة:
– هذا شعر!. وأنا سعيدة بسماعه. هذا يسعدني.
وبطبيعة الحال، كان تصريحها هذا يدل على كرم أنوثتها. إذ ما من شك في أنها سمعت ما يماثله، وحتى يفوقه، مرات عديدة. فتاة أخرى، لا تتحلى بكرم الأنوثة، كانت ستقول:
– لقد سمعت ما يماثل هذا من عديدين وباستمرار. إنني أسمعه بشك يومي.
لكن هذه الفتاة، ذات القوام الموزون والروح المتناغمة، أبدت كما لو أنها تسمع مثل هذا الكلام للمرة الأولى في حياتها:
– هذا شعر!. وأنا سعيدة بسماعه. هذا يسعدني.
(هناك احتمال ضعيف بأنها كانت تتعمد التشفي من الزوجة التي لم تكن تبدي تنكرا للأمر الواقع).
ذهب الرجل المسن الجسور، وزوجته التي تبدو أكثر إسنانا منه. وبقيت وحدي. أخذت نسخة من كتاب “فضائل النكاح” للسيوطي!.
كنت أقل إسنانا من الرجل، وأكثر وسامة (بكل تأكيد)، إلا أنني كنت أقل جسارة منه (الأصح أنني كنت منعدم الجسارة، في مثل هذه الأمور). كانت البائعة ذات… إلخ، حين تعيد باقي النقود تدخل يدها في حقيبة تعلقها على رقبتها وتحجب نهديها الوافرين، وكانت حركتها تلك توحي كما لو أنها ستكشف عنهما. تقدمت منها بـ “فضائل النكاح” وسلمتها الكتاب والنقود. ابتسمت ابتسامة غير رسمية. أحسست أنها تريد أن تقول لي شيئا، لكنها مترددة. كانت تجلس على كرسي عال يجعل نصفها السفلي محجوبا بالنضد الذي أمامها. وضعت الكتاب في الكيس ومدته لي مع باقي النقود مميلة نصفها العلوي نحوي قليلا، قائلة بابتسامة مشاكسة:
– صحة*
فضحكتُ بصوت عال، وضحكت.
وذهبت إل حال سبيلي (أو، بالأحرى، سبيل حالي).
* في بعض دول المغرب العربي تقال “صحة” بعد قضاء الشخص للحجات الطبيعية، مثل التخلص من لوافظ الجسد والاستحمام، وغيرها. والبائعة، هنا، تعني غيرَها.