فبراير الحلم والواقع.. وخيبة الأمل!
الحسين المسوري
تمر اليوم الذكرى العاشرة لثورة 17 فبراير وسط ظروف سياسية ومعيشية صعبة تشهدها ليبيا، فالثورة أمر حتمي عندما يخذل الحاكم الشعب ويضيع فرص الإصلاح ويستمر في السلطة حد الترهل والتكلس، ولذلك كان (17 فبراير) ضرورة حتمية واقعية آتية لا محالة، وحلمًا راود الكثير للتخلص من الحكم المتخلف والأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، فخرجت الجموع إلى الشوارع والميادين بشكل سلمي في بنغازي والبيضاء والزنتان ودرنة وطبرق والزاوية تطالب بالتغيير.
ولأن العقيد معمر القذافي حاكم لا يتمتع بالمسؤولية الوطنية والوعي الحقيقي بأن ليبيا وطن أكبر من الجميع، لم يتخذ خطوة وطنية حقيقية ويضع مصلحة ليبيا قبل كل شيء ويكتفي بـ42 سنة من الفشل والتخلف، ويغادر كما الرئيس زين العابدين بن علي والرئيس مبارك، فاختار القذافي عسكرة الثورة وإدخالها في منظومة العنف، فليس من مصلحة القذافي أن تظل الثورة سلمية كما انطلقت، فكان الرد هو الرصاص والـ(14 ونص) لتسيل دماء المتظاهرين في بنغازي والبيضاء ودرنة وسوق الجمعة وساحة الشهداء بطرابلس، وتقصف الزاوية ومصراتة بالقذائف ليدخل العقيد القذافي البلاد في دوامة العنف ومهب التدخل الخارجي.
بعد 2008 لم يعد إصلاح نظام القذافي ممكنًا، فلم تكن الإصلاحات التي بدأت في 2005 نتيجة نضج سياسي للقذافي، بل كانت مرتبطة بانتخاب الرئيس بوش الابن وغزوه العراق والقبض على صدام حسين وإعدامه، وعندها أُصيب القذافي بالخوف والرعب والهلع وانبطح وسلم المشروع النووي، وعالج جميع الملفات العالقة مع الغرب بسرعة فائقة وطاعة عمياء، ولكنه كان يتلكأ في ملفات الداخل، ولم يستجب لمطالب الشعب الليبي، وبعد 2008 شعر القذافي بالراحة والأمان بانتخاب الديمقراطيين أوباما رئيسا للولايات المتحدة، وعاد من جديد لمراهقته السياسية وأفشل كل خطوات الإصلاح ودفن مشروع (ليبيا الغد)، وهو ما جعل حتى نجله سيف القذافي يعلن اعتزاله العمل السياسي.
وهكذا ضاعت فرصة الإصلاح التدريجي، وأصبحت البلاد تنتظر حركة التاريخ الطبيعية، فجاء (17 فبراير) الحدث الأهم في تاريخ ليبيا منذ نصف قرن، ورغم أهمية تواريخ الأحداث المهمة، فإن اختزال الوطن في التواريخ والأشهر هو تعصب وتطرف لا يبني وطنًا ولا دولة مؤسسات، فتاريخ 17 فبراير يبقى تاريخًا مهمًّا لخلع حاكم متخلف، و1 سبتمبر انقلاب عسكري على دولة الدستور والقانون، وتبقى ليبيا أكبر من سبتمبر وفبراير، كما أن تعبئة الميادين ليست مقياسًا للنجاح وشعبية النظام، خصوصا ميدان الشهداء أو (الساحة الخضراء) كما يسميها أنصار القذافي، فهذا الميدان منذ انقلاب سبتمبر وانتصار فبراير لا يشهد إلا احتفالات أنصار النظام المنتصر، فالمقياس للنجاح هو هل تحققت أهداف ثورة 17 فبراير وأصبحت ليبيا فعلا دولة القانون والمؤسسات؟!
لقد تمنينا أن تنجح ثورة 17 فبراير في تحقيق دولة القانون والمؤسسات، لكن الكثير من المقاتلين والسياسيين الذين شاركوا في ثورة فبراير وكانوا من أبرز قياداتها كان لهم رأي آخر، فقد انتهجوا سلوكا وأفعالا مسحوا بها معظم سيئات القذافي، وما حدث خلال عشر سنوات من صراع بين مكونات فبراير عار لا علاقة له بمفهوم الثورات، وهو حرب أهلية ضربت نسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية، وخلفت ثارات وعداوات بين المناطق وتحولت إلى عملية نهب للدولة ورهنها للأجنبي وتدميرها وتحويل ليبيا إلى صومال جديد، ولو كلفت مليون محام وصرفت مليارات الدولارات لتجميل صورة فترة حكم القذافي لن يستطيعوا فعل ما فعله كثير من قيادات وسياسيي ثورة فبراير لمنح القذافي صورة مقبولة بهذا الشكل، مقارنة بما شهده المواطن الليبي خلال هذه العشرية المأساوية.
إن فبراير بدأت ثورة وتحولت إلى حرب أهلية، كما أن الثورات بشكل عام أثبتت بعد عشر سنوات من حدوثها أنها مجرد (انتفاضات) وفشلت لأنها إما تحولت إلى حروب أهلية فككت الدول ومزقت المجتمع، أو عاد النظام السابق عبر شخوص أخرى وبصورة أكثر صلابة. وأعتقد أن أي مؤرخ موضوعي منصف سيذكر ما حدث في ليبيا بـ(الحرب الأهلية)، وحتى لو تغيرت الأمور للأفضل في ليبيا فلن ينسب هذا التغيير لـ(17 فبراير) بل لمن سيقوم بتغيير الوضع المأساوي الحالي وينهي الحرب الأهلية ويستعيد الدولة الليبية، وينطلق في بناء دولة المؤسسات سواء كانوا مجموعة أو فردا أو عبر ثورة أخرى أو بغيرها.