على مشارف محادثات جنيف.. أردوغان: نعم لدينا مرتزقة في ليبيا
عصام جاد الله
لم يعد خافياً على المتابع للشأن الليبي مؤخراً بأن التدخل التركي وأطماع نظام أردوغان في ليبيا أصبحت واضحة وكل يوم تزداد علانيتها دون وجود أي رادع للسلطان العثماني الجديد المُصر على ان العمق التاريخي الذي يربط بلاده بليبيا هو الذريعة للتدخل فيها، والدليل اعترافاته الأخيرة أمام جمع من مناصريه في اسطنبول بوجود عناصر من المليشيات السورية وعسكرين أتراك في طرابلس وبأن لديهم شهداء حسب وصفه سقطوا في معارك العاصمة الأخيرة.
يأتي هذا رغم إنكار أردوغان سابقاً إرسال بلاده أي قوات إلى ليبيا، وأكد أن وجود مستشارين ومدربين أتراك فقط بطلب من حكومة الوفاق ودعماً للسراج الذي يصفه بأنه يمثل الشرعية المزعومة والتي يعتمد عليها في المضي قدماً لتحقيق أهدافه ومطامعه في البلاد متعهداً في الوقت نفسه بعدم السماح للجيش الوطني بدخول العاصمة، ومهدداً بأنه لو حدث ذلك ستكون التبعات قاسية على الجيش الوطني الليبي.
تصريحات خطيرة تؤكد تناقض شخصية أردوغان وجنون العظمة لديه في تحدٍ واضح للمجتمع الدولي وكل الأطراف الفاعله في الأزمة الليبية، وضارباً أيضاً عرض الحائط بمخرجات مؤتمر برلين الأخيرة الذي توافق من خلاله المشاركون ومن ضمنهم تركيا على ضرورة عدم التدخل العسكري بشكل مباشر في ليبيا، وإعطاء المسار السلمي دعما أكبر لإنهاء الأزمة الليبية.
ولكن هل إرسال تركيا لعناصر تنظيمات إرهابية متعددة منها جبهة النصرة وداعش الإرهابي وأحرار الشام وغيرهم من أعضاء الجماعات الإرهابية المختلفة الجنسيات والذين تشرف القوات التركية على إدارتهم وتدريبهم وتحديد مسار عملهم، وتنفيذ هذه الجماعات لمطلق مخططات أنقرة العدوانية فيليبيا، هل كل ذلك سيساهم في حل الأزمة وتحقيق السلام المنشود؟
لا أعتقد أن الإجابة ستكون نعم بالتأكيد، فقد بات جليا للعيان خلق تركيا فوضى بتدخلها العلني في ليبيا وباتت أيضا مطامع أنقرة في السيطرة على طرابلس واضحة من خلال وجودها في مراكز حيوية مثل مطار امعيتيقة وميناء طرابلس وبعض المواقع الاستخباراتية الأخرى في ضواحي العاصمة، إضافة إلى فتح المجال أمام المليشيات في مناطق السيطرة التركية في سورية للانظمام إلى القتال بجانب قوات السراج، ما يؤكد إعداد مخطط كامل ومسبق من قبلها للسيطرة على أجزاء واسعة من ليبيا وضمها للحماية التركية بذريعة حماية الشرعية والدفاع عن مواطنين ليبيين من أصول تركية وحماية إرث الأجداد العثمانيين حسب وصف أردوغاني سابق كل تلك الذرائع يتخذها الرئيس التركي لجر ليبيا الى الهاوية وإعادتها للمستعمر التركي بثوبه الجديد.
من جهة أخرى يعمل الجيش الوطني في خضم هذه الأحداث على التصدي للأطماع التركية، فقد أقدم سلاح الجو الليبي على ضربات استباقية للتصدي للعدوان التركي من خلال استهداف باخرة تركية مشبوهة محمله بالسلاح والعتاد في ميناء طربلس البحري، ويؤكد أيضاً من خلاله منابره الإعلامية على مصداقية تصريحاته السابقة بوجود مرتزقة سوريين وعسكريين أتراك على الأراضي الليبية، فتصريحات أردوغان الأخيرة تؤكد مصداقية بيانات الجيش الوطني السابقة حول التدخل العسكري التركي، وستذهب الأطراف الليبية خاصة الممثلة للجيش الوطني إلى محادثات جنيف في الـ 26 من شهر فبراير الحالي بوثائق تؤكد تدخل تركيا بقواتها العسكرية وبكافة أنواع الدعم والإمداد بالسلاح لحوكمة الوفاق التي ستجد نفسها محرجة فهي تمثل حسب دورها أمام العالم الشرعية فكيف للشرعية أن تتغاضى عن قرارات مجلس الأمن الدولي بمنع بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا منذ عام 2011، كل تلك الأمور لن تكون قي صالح الوفاق وتركيا في ملتقى جنيف القادم، فيما تزداد كفة الأطراف الليبية الممثلة للجيش الوطني الليبي ومجلس النواب بعد تصريحات واعترافات أردوغان الأخيرة، خاصة أن الموقف الأوروبي يرى أن التدخل التركي في ليبيا يطيل أمد الأزمة ويخلق عداوة أخرى مع دول الاتحاد وذلك يتعلق بشكل مباشر باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الوفاق وتركيا والذي شكل معضلة لليونان العضو بالاتحاد وغيره من الأسباب التي تعرقل حل المعضلة الليبية حسب التقارير الأوروبية الأخيرة.
متغيرات كثيرة ستكون لها انعكاسات على الوضع العسكري والسياسي وربما سنرى انتصارات مختلفة تلوح في الأفق للجيش الوطني وذلك بعد إقرار مؤتمر القبائل الليبية في ترهونة ودعوته بضرورة دعم القوات المسلحة ومطالبها أيضاً بالمضي قدما في محاربة الإرهاب واسترداد هيبة الدولة وطرد الاحتلال التركي ومعاونيه من الأراضي الليبية، فيما ستكون هناك متغيرات مستجدة ربما على المستوى الدولي اتجاه تقليص الدور المشبوه الذي تلعبه أنقرة في الأزمة في ظل استمرار وإصرار أردوغان على أن طريق السلام فى ليبيا لا بد أن يمر عبر تركيا حسبه رأيه، حتى ولو كان على حساب دماء الليبيين وتفتيت وتدمير بلادهم.