مقالات مختارة

علامات النهاية

حسين شبكشي

لعميد الفن العربي الممثل الراحل يوسف وهبي مقولة باتت خالدة يقول فيها: «شرف البنت زي عود الكبريت ما يتولعش غير مرة واحدة»، وما ينطبق على شرف البنت ينطبق أيضاً على سمعة الشركات والقادة والزعماء.
انشغل العالم الأسبوع الماضي بواقعتين تحاكيان هذا المعنى تحديداً. هناك واقعة شركة الطيران الأميركية المعروفة «يونايتد» والتي تعرض فيها أحد الركاب إلى «سحل» من قبل المضيفين ورجال الشرطة لإخراجه بالقوة الجبرية من مقعده، وتعرضه للضرب، وسالت دماؤه. وتعرضت بعده شركة الطيران إلى بركان هائل من السخرية والانتقاد، هوت بأسهم الشركة إلى مستويات دنيا غير مسبوقة فاقدة أكثر من 900 مليون دولار في ساعات قليلة، كردة فعل غاضبة إضافة إلى الآلاف من الحجوزات التي تم إلغاؤها احتجاجاً على الشركة.
أما الواقعة الثانية فهي تتعلق بحديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع إحدى وسائل الإعلام، حين وصف الرئيس السوري بشار الأسد بالحيوان، وسرعان ما لقي ذلك الأمر تفاعلا هائلا حول العالم ليشكل الهاشتاغ الخاص بذلك التصريح على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» حراكاً كبيراً، ويحتل المركز الرابع في مرتبة أكثر «الهاشتاغات» تداولا حول العالم. كانت الصدمة عظيمة جداً بالنسبة لفريق مؤيدي بشار الأسد الذي بات في حال عجيبة من الدهشة، وهم الذين كانوا يبنون آمالا عظيمة على موقف ترمب، الذي سيكون مخالفاً تماماً لموقف سلفه، ولكنهم اكتشفوا أن موقف ترمب مبني على موقف مبدئي ومؤسساتي، وأكد ذلك السجال الذي حصل على مواقع مؤيدي نظام بشار الأسد وحسرتهم الواضحة كيف تحول «رئيسهم» إلى ما يشبه «المسخرة» وهذه واحدة من الألفاظ التي وصف بها بشار الأسد من قبل مؤيديه كافة.
إننا نتعامل مع خسوف كامل للاسم أو الماركة، أو بلغة أهل التسويق «البراند»، وهذه حالات معروفة في عوالم وكواليس التسويق وعلمه وفنه، فرأينا ذلك الأمر مع شركات عملاقة مثل «كوداك» و«نوكيا» و«الخطوط الماليزية» على سبيل المثال لا الحصر. هناك مواقف ووقائع لا تقوم بعدها قائمة.
شركة يونايتد تتعرض الآن لموجات من حملات السخرية على وسائل الإعلام التقليدية المرئية والمسموعة والمكتوبة، وكذلك على وسائل الإعلام الجديد، وهي أيضاً تتعرض لسلسلة من القضايا القانونية، وبالتالي هي تتجه الآن لتجنيد شركات العلاقات العامة لمواجهة ومجابهة هذا التسونامي العظيم من الغضب والشماتة، والشيء نفسه ينطبق على بشار الأسد، وهو الرجل الذي لم يعد هناك وصف لم يتم وصفه به، من شرير وطاغية ومجرم وفاسد ودموي وقاتل وطائفي، حتى وصل الحال إلى أن يتم وصفه بالحيوان، وهي حتماً مسألة لها دلالتها، فلقد انقضت الأوصاف الدبلوماسية «المقبولة» في الخلاف السياسي، لتصل لمرحلة الوصف «الشوارعي» الذي يليق «بشبيح» تولى الرئاسة ونكل بشعب بلاده.
عندما يسقط الاحترام ويبقى التنكيل والإهانة والشتائم ضد الشخص أو المؤسسة، فهذه من علامات النهاية التي علّمنا إياها التاريخ، ودروس التاريخ كلها عبر لمن يعتبر فهي لا تتكرر بلا سبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى