“عز ياعويره كفن جديد و كتوف رجاله”
عصام جادالله
“عز ياعويره كفن جديد و كتوف رجاله” لا يزال هذا المثل الشعبي محفوراً في ذاكرتي منذُ الطفولة عندما حدثتني جدتي عن ذلك الرجل المتوفى المحسود حتى على موته، حينما قالوا هذا المثل في جنازته، ولم أكن أعي جيدا في أيام الصبا معنى الجملة والتي تحوي لربما قصصا متوارثة عبر أجيال متعاقبة، فقد كان وقتها أبرز اهتماماتي اللعب والمرح والاستماع لـ “خراريف” الجدات.
لم أهتم بتفسير المثل ولا بمحاكاته مع واقع حياتنا اليومية، وبعد كل تلك السنوات أيقنت الكثير مما جعلني أنتبه للرسالة التي تحملها تلك الجملة الشعبية، المتمحورة حول شيء واحد وهو “الحسد” فهل يعي صبي في عمر 10 سنوات معنى الحسد، ولكن مع نهاية العشرينيات وبداية مرحلة نضج “الثلاثين” أصبحت أعلم أن الحسد فعليا موجود في حياتنا وتتبلور صورته في أشكال متعددة تختلف بظرف المكان والزمان والحدث.
فالحسد ليس بمفهومه العام “العين” فقط كما هو شائع، فالعين تأتي من شخص لديه قدر معين من الموجات المغناطيسية التي تؤثر على الإنسان وكل شيء من حوله وتسبب لجسمه الألم والمرض والتعب تسمى هذه الحالة بــ”الهالة” حسب أطباء علم النفس وتفسيراتها الدينية والنفسية كثيرة، ولكن الحسد “المشخصن” المبني على الغيرة من الأشخاص الذين ينظرون لغيرهم بنظرة فوقيّة فهو الذي يتخذ أحياناً مجرى آخر ويتطور ويتسبب في سقوط المحسود في شر مكائد الحاسد من خلال اتباع الثاني طرقا تعتمد في مجملها على “المكائد” للإيقاع بالطرف الأول بأسلوب الغاية تبرر الوسيلة، وعادة ما يحدث ذلك من شخص إمـا تمنى أن يكون مكان آخر ينال مكانة اجتماعية أو معيشة جيدة أو من شخص فاشل، لأنـه يحسد مطلقاً الناجح.
ولو نظرنا للواقع وعدنا للخلف وربطنا ذلك المثل بمجمل ما يحدث في مجتمعنا لعلمنا أن الكثير مما نعيشه اليوم هو متصل بمعناه وخلفياته، فالحسد المزروع في نفوس البعض هدم تطلعات الكثير من أصحاب الفكر والموهبة والذين يمتلكون أساليبهم الخاصة والتي كانت ستضعهم في صفوف متقدمة وستتحقق لهم مكانة أفضل في مجالات عملهم فبالتالي يساهمون بالنهوض بمحيطنا، ولكنهم وقعوا ضحية لعبث البعض بعد قتل روح الاجتهاد لديهم عن طريق الداء اللعين” الحسد”.
سنوات متتالية نضجنا فيها وأصبحنا ندرك عندما تعلو الصيحات وتكثر الانتقادات.. أدركنا من بعدها أن ما يحدث في بلادنا بين من لديهم ومن ليس لديهم هي ليست سوى حرب مبنية في معظمها على أحقاد الـ”حسد” والأمثلة موجودة وبكثرة، وفي مرات عدة كان المجتمع طرفا قويا فيها انطلاقًا من تعليق أو بوست على السوشيال ميديا يكون كالسكين الذي يقطع جسد ضحيته بلا رحمة، حتى قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وجدت العديد من القصص، فمن لم يسمع “قرمة” عن الجار الذي تغير وضعه المادي إلى الأفضل وكيفية حصوله على المال واتهامه بأنه “سـراق” دون دليل والتهكم عليه باتهامات باطلة فقط لأن وضعه المادي تغير إلى الأفضل.
وبين الأمس واليوم تغيرت المسميات والاتهامات منها على سبيل المثال هذا “لجان ثورية” هذا “اغتنى من فبراير” وهذا “طلع بعد الكرامة” وغيرها من الصفات الملتبسة على نفسها.
هذا يجعلنا نعلم جيداً أن “الحسد” طال محيطنا بالكامل وأصبح يصل لحد التخوين والنعت بعبارات عنصرية، فـلا يوجد مبرر أو سبب يجعل فتاة تسب فتاةً أخرى بأبشع الشتائم فقط لأنها كسرت الحواجز لتحقق ذاتها وطموحها، وشاب ينعت آخر لأنه يعيش بالخارج أو يرتدي ما لا يروق له، أو شخصية تحصلت على منصب تجرم قبل توليها منصبها الجديد أو فنان ينمر لغنائه للحب وله آلاف المعجبات، لايوجد فعلاً مبرر لتلك التصرفات إلا وصولنا لمرحلة متقدمة من الحسد والغيرة داخل مجتمعنا.
“عز ياعويره كفن جديد وكتوف راجله ” مثل متجذر يروي حكاية عن الحسد المتغلغل والمتغول في نفوس بعض منا منذ زمن يجعلنا نفهم عدم احترام بعضنا بعضا ويجعلنا نضع في أول السطر أحد أهم أسباب تراجعنا بين أمم العالم فالدولة التي لا يحترم مواطنوها إنجازات بعضهم ويحاولون دائماً شخصنتها وتخوينها لا يمكن في يوم من الأيام أن يقدموا شيء لأنفسهم أو بلادهم وتجدهم دائماً يحطمون بعضهم البعض، نعم إنه الحسد أحد أهم أسباب تحطيم أحلامنا ونزع الأمل بتحقيق إنجازاتنا على كافة الأصعدة.