عرائس داعش والخلافة المقبورة
فرج عبدالسلام
ونحن نترقبُ هذه الأيام، الإعلانَ النهائيّ عن دقّ المسمار الأخير في نعش ما سُمي بالدولة الإسلامية، تعجُّ وسائلُ الإعلام بأخبارٍ مختلفة عمّا اصطُلح على تسميته بـ “عرائس داعش” فالموضوع مثيرٌ بلا شك، والكل يطرحه على طريقته، وخاصة بعد دخول رئيس أقوى دولة في العالم، ووزير داخلية بريطانيا، على الخط بقوة في مسألة مواطنتيْ بلديهما، ليُرسِيا سابقة حول نهج جديد وعدم التسامح مع الإرهاب حتى لو خالف ذلك منظومة القيم الإنسانية التي تقوم عليها الدول المتحضرة.
تعبيرُ عرائس داعش، يُطلق على الفتيات اللاتي استُدرجن بطريقة أو بأخرى للالتحاق بالتنظيم الوحشي، وينتهين عادة بالزواج من أحد المقاتلين، ثم غيره بعد موت الأول، وهكذا. المحزنُ في الأمر أنّ تلكنّ الفتيات يتعرّضن لغسيل مخٍّ شيطاني، ويلتحقن بالإرهاب في سنّ مبكرة. فالبريطانية من أصول بنغلاديشية شاميما، هربت إلى التنظيم في سن الرابعة عشرة، وانتهى بها الأمر بطفل من أبٍ داعشي، وإسقاط الجنسية البريطانية عنها، ورفض بلدها الأصلي الاعتراف بمواطنتها. وربما ستظل مُحيّرة الجنسية لأمد طويل.
لا بدّ أن يلحظ المرءُ أنّ كل المسكينات المغرر بهنّ ينحدرن من أصول آسيوية وعربية مسلمة (مع استثناءات نادرة) وهو ما يعطي مؤشرا على الأزمة العميقة التي تمر بها المجتمعات المسلمة المهاجرة إلى دول الغرب، وعدم قدرتها، لأسباب شتّى، على الاندماج في مجتمعاتها الجديدة، وتفضيلها العيش في غيتوهات منعزلة اجتماعيا واقتصاديا وفكريا، ما سهّل على دهاقنة التنظيمات المتطرفة تجنيد أفرادها في جيوش الإرهاب، واللعب غالبا على الوتر الديني لدى هذه العقول الغضة وغير المحصّنة. فصاروا على استعداد تام للعمل حتى ضد البلاد التي تؤويهم ويحملون جنسياتها، وحادثة انتحاري مانشستر، سلمان العبيدي، البريطاني الليبي، ليست ببعيد.
اتفقت الأغلبية على أنّ داعش هو النسخة الأكثر دموية وشراسة من التنظيمات التكفيرية العنيفة التي ظهرت خلال العقود الماضية. ومنذ ظهوره مارسَ عنفاً إجرامياً غير مسبوق، مصحوباً بنزعةٍ تكفيريةٍ حادّة لكل مخالفيه بما فيها الفصائل التكفيرية الأخرى. ورأينا عن قربٍ سطوتَه في المناطق التي سيطر عليها في ليبيا، وقتاله ضدّ تنظيمات أخرى مماثلة له، أمّا الأكثر بؤسا في الحكاية الليبية، فهي الشعارات الخرقاء التي كان يرفعها أولئك الفتية الأغرار حول بقاء الدولة وتمددهاـ ونعرف أنها لا تمددت، ولم تستطع حتى البقاء، بعد أن أهلكت تلك النفوس الشابة، لتتبعها الأوطان والبشر.
أوشكت الحرب أن تضع أوزارها ضد التنظيم الأكثر دموية في التاريخ، بعد أن سقطت دولة خلافته المزعومة المقامة على الجماجم، والجثث، وعلى تصرفاتٍ خرقاء ألصقت بالدين الإسلامي والمسلمين عموما أبلغ الإساءات. ومع ذلك لابد من التأكيد على ضرورة انتهاء ظاهرة داعش إلى الأبد بعد رصدٍ رصينٍ للأسباب والشروط التي أدّت إلى ظهورِ التنظيم الإجرامي وتمدّده في وقت قياسي، حيث مثّل بريق أمل لشبابٍ عديدين حول العالم، تشبّعوا بأفكاره المسمومة بسبب معاناتهم من الفساد والاستبداد في بلدانهم، ما استغله التنظيمُ للتجنيد ونشر التطرف.
قد يفيدُ أيضا دقّ ناقوس الخطر والتذكير بتياراتٍ متشددةٍ لها انتشارٌ واسع في ليبيا، وترتبط في الغالب بمؤسسات وحركات متشددة في جزيرة العرب، حيث حتّمت المصلحةُ والظروف الصعبة الحالية التغاضي عن سطوتها، وتغلغلها في المجتمع، وفي مفاصل الدولة تحت شعارات العودة إلى نهج السلف الصالح. ولا يجب أبدا التغافل عمّا يجري من قمع ممنهج لكل من يخالفهم الرأي، وقد رأينا أفعالا ومؤشراتٍ كثيرة على ذلك، فإن لم يتفطّن قادةُ الرأي وناشطو المجتمعات المدنية، ستشهد بلادنا وضعا لا يختلف كثيرا عن دولة الإرهاب المقبورة إلاّ في الشكل والتسميات، لأن كل الظروف مواتية لبروز داعش جديد بيافطةٍ مختلفة.