عالمنا العربي الحزين!
فاطمة المزروعي
في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة”. هذه الكلمات تنسب للداهية السياسي الشهير الراحل ونستون تشرشل، الذي قاد بلاده خلال الحرب العالمية الثانية للانتصار على النازية. وإن أمعنا النظر في مثل هذه الكلمات، قد يراها البعض خاطئة، وتتنافى مع المبادئ والقيم البشرية، كيف يمكن أن تتبع مصلحتك على حساب مبادئك؟ الحقيقة أنه يمكن التصديق أو الإيمان بمثل هذا الرأي، عندما يكون الموضوع متعلقا برأي شخصي أو بعلاقة تجمع طرفين على مستوى فردي، إنما عندما يكون الحال شاملا ويمس الملايين من الناس، وتكون هذه العلاقات سببا في تعاسة هذا الشعب أو سعادته، قوته أو ضعفه، جهله أو تعليمه، عندها يجب على هذا السياسي أن يتوقف ويبلع ريقه، ويختار ما يصب في مصلحة أمته وشعبه بغض النظر عما يراه هو أو ما يعتقد أو ما يحب أو ما يكره.. الميول الشخصية أو الرغبات الذاتية تتوقف ويتم إلغاؤها تماما عندما يكون الأمر متعلقا بالمجموع العام من الناس.
أسوق مثالا عن تقنيات حديثة لتوها تنشأ وتظهر وتنتشر، تصنعها دولة ما، هل من المصلحة أن أعادي هذه الدولة وأحرم مجتمعي وناسي من مثل هذه التقنيات، بسبب اختلاف في الأولويات أو خلاف في قضية ما؟ المثال قد يكون أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة، كأن توجد شركات في دولة ما وضعت اليد على كشوف لأدوية وأمصال تعالج أمراضا خطيرة، هل من الحكمة أن أحرم مجتمعي من هذه الأدوية بسبب خلاف سياسي، قد يتم حله بعد عام أو عامين؟ هل من الحكمة أن أسبب تعثرا في الحركة التعليمية لأبنائي بسبب تباين وجهات النظر في البعض من الملفات على الساحة الدولية، لأني حرمتهم من تعلم آخر العلوم والتي مع الأسف مجملها وجلها في الجامعات والمعاهد البحثية والتقنية الغربية؟
نحن في زمن التشابك الأممي، وفي عصر التضامن وفق حسابات قوة الاقتصاد والرفاه، وأعتقد أن القيادة التي تعمل من أجل النمو الحضاري والتنمية المستدامة والاقتصاد المزدهر المتنوع، هي قيادة تستحق الاحترام والتقدير.
في عالمنا العربي شغلنا لعقود من الزمن بالشعارات الرنانة، فجاعت شعوب وتشردت أمم وعمت الفوضى في كثير من بلدان عالمنا، حتى باتت أراض من أمتنا العربية نهبا تغزوها جميع الدول، البعيدة والمجاورة. لأن ميزان الأولويات مختل، فكانت الكلمة العليا للشعارات الجوفاء على حساب التعليم والصحة والمعرفة وصناعة الإنسان، على حساب التخطيط والرؤية السليمة للمستقبل، فعاشت كثير من مجتمعاتنا في ويلات المحن والحروب والفوضى والجهل والأمية القاتلة. العالم بأممه وشعوبه ومجتمعاته، يقوم على المصالح المشتركة، وعلى التبادل المعرفي والتجارة؛ الأعداء الحقيقيون هم من يحرمون الإنسان العادي البسيط من أقل قيم الحياة الصحية المسالمة، هم من يحرمون الإنسان من حق الاختيار وفرض الشعارات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.