طرد “ميليشيا” من صبراتة يُوقِف عمليات “تهريب المهاجرين”
218TV| ترجمة خاصة
*واشنطن بوست
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريرا مطولا تمحور حول مليشيا الدباشي التي كانت تسيطر على منطقة صبراتة، وعلى تجارة وتهريب البشر، وما آل إليه قائد مليشيا الدباشي ووضعه الآن، جاء في التقرير ما يلي:
منذ ما يقرب من عامين، كانت صبراتة المشهورة بإطلالتها الرومانية، واحدة من أكبر مراكز التهريب في شمال أفريقيا، وهي بوابة لعشرات الآلاف من المهاجرين الذين يسعون إلى مستقبل أفضل في أوروبا. لكن الآن اختفى مشهد الشواطئ حيث توجد مئات القوارب المتهالكة تنقلهم مرة واحدة إلى إيطاليا بشكل غير قانوني، ولا يوجد أحد الآن في مراكز احتجاز المهاجرين.
وفي منتجع “ويست تليل هوليداي” من فئة الخمس نجوم، كانت الفيلات البيضاء المكونة من طابقين تضم ما يصل إلى 3000 مهاجر ينتظرون فيه الإبحار. وقد أقام المهربون، الذين استولوا على الفندق، الكثبان الرملية على طول الشاطئ لإخفائهم من دوريات حرس السواحل الليبيين والفضوليين. المنتجع الآن فارغ، وكذلك البيوت الآمنة للمهربين.
اندلعت معارك شرسة بين الجماعات المسلحة المتنافسة في خريف هذا العام، ما أدى في نهاية المطاف إلى طرد أمير الحرب الشاب أحمد الدباشي، الذي كانت ميليشياته تدير عمليات التهريب. ثم قام المنتصرون بطرد المهاجرين أيضا.
وكشفت زيارة نادرة قام بها أحد صحفيينا إلى صبراتة هذا الشهر كيف أن الاتجار الهائل بالأفارقة، الذي أزعج الدول الأوروبية وأثار مخاوف بشأن الانتهاكات الواسعة النطاق للمهاجرين، يرتبط بالصراع على السلطة داخل ليبيا. ويعكسُ هبوطِ معدلات الهجرة تبدّلات الحرب الأهلية في المدينة، التي تمثل رمزا للصراع الذي أصاب ليبيا منذ ثورتها.
يصف التقرير الدباشي، بأنه مقاتل ملتحٍ، من قبيلة بارزة، ومعروف على نطاق واسع بلقب “العمو”، وكان يتصرف وكأنه فوق القانون. وأنه عندما كان في سن المراهقة، سرق السيارات والمحلات التجارية، ثم تطوّر به الأمر إلى تهريب الأسلحة والوقود. وبحلول صيف عام 2015، دخل في تجارة المهاجرين المزدهرة، وقد تعمقت سيطرته على تلك التجارة، حيث كانت الحكومة الليبية الضعيفة، التي أنشأتها الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس، تغض الطرف عن أفعاله.
ويصفه محقق في الشرطة المحلية بأنه شخص شرس ودائما ما يحمل اثنين من المسدسات
كما يقول السكان المحليون إنه قتل رجلين وألق جثتيهما في الشارع لإثارة الخوف لدى الناس. ومنذ ذلك الحين، كان السكان يخافون من النظر إليه في العين.
ووقعت اشتباكات عنيفة بين المدنيين بعد مقتل أحد أبناء عمومة الدباشي في سبتمبر خلال مناوشة مع مجموعة مسلحة متنافسة. وسرعان ما انضمت الميليشيات والقبائل الأخرى إلى المعركة، مما جعلها قضية مشتركة ضد مليشيا أنس الدباشي.
ونتيجة لهذا الصراع، قُتل بعض المهاجرين في تبادل لإطلاق النار، وتناثرت جثثهم في الشوارع. وقد فر آلاف آخرون إلى المناطق المجاورة. وعندما عاد المهاجرون إلى الظهور، كان هناك تحالف غير متوقع بين جنود الجيش الوطني الليبي ومقاتلين إسلاميين متشددين للسيطرة على صبراتة. وعرفت هذه القوات، باسم غرفة مكافحة داعش، وتم تحويل المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز في مدن أخرى.
‘المال السهل’
ويضيف التقرير أنه خلال الفوضى التي أعقبت الإطاحة بالدكتاتور الليبي معمر القذافي ، توسعت شبكات الجريمة والتهريب. وأصبح تهريب البشر الأكثر ربحا.
وحول ذلك قال حسين دوادي، عميد بلدية صبراتة: “إنها أموال سهلة. بل هي أفضل من الاتجار بالمخدرات”.
وفي أغسطس 2015، غرق أكثر من 200 مهاجر قبالة ساحل زوارة، غرب صبراتة. وأدت تلك الكارثة إلى رد فعل غاضب من قبل السكان المحليين في زواره، مما دفع المهربين إلى مغادرتها. فتوجه آلاف المهاجرين نحو صبراتة، مما ولد المزيد من الثروة لدباشي.
على الرغم من أن الدباشي كان معروفا بمعاقرة الخمر ونادرا ما يصلي في المسجد، فإن أفراد عشيرته ساعدوا أو تعاطفوا مع تنظيم داعش، الذي حول صبراتة بعد ذلك إلى ملاذ سري. ولم نتمكن من الوصول إلى الدباشي، الذي يختبئ في مكان ما، ولا أحد كبار أعضاء ميليشياته بأي شكل كان.
بعد أن قصفت الضربات الجوية الأمريكية مجمع داعش في صبراتة في فبراير 2016، قتلت عشرات المسلحين وتشجعت الجماعات المسلحة القبلية والمحلية على الخروج لطرد المتطرفين الباقين. وتحول “العمو” نفسه بقوة ضد داعش، وهو قرار استراتيجي للحفاظ على أعمال التهريب المربحة، كما انحاز مع حكومة السراج.
وقال خالد محمد حسن، وهو زعيم نافذ لقبيلة منافسة، “إن ميليشيا الدباشي كانت تسيطر على كل شيء ولديها المال والسلطة”.
أقام مقاتلو الدباشي نقاط تفتيش على مدار الساعة عند مداخل ومخارج صبراتة وأحيانا طالبوا بدفع أتاوة من المارة. وقد اقتحموا بدباباتهم وشاحناتهم معسكرا سابقا لتنظيم داعش. كما تدربوا هناك على القتال. وكان أي شخص يعتبر تهديدا لتجارتهم في البشر هدفا لهم. وفي أبريل، تتبع مسلحون من المليشا جمال علي، إلى مكتبه. وهو موظف في مجال المعونة، عمل مع الأمم المتحدة لفضح الضرب والاعتداءات الجنسية ضد المهاجرين. وأطلقوا عليه الرصاص لكنه نجا منهم.
ازداد الاستياء من ميليشيات دباشي. وفي هذا يقول العميد الذوادي “كنا ضدهم جميعا وبالتالي صارت الحرب ضدهم حتمية”.
أخيرا ازدادت حدة التوترات بين الميليشيات والسلطات المحلية وزعماء القبائل المؤثرين. عندما أشعل قتل ابن عم الدباشي حربا شاملة، وحملت قبائل منافسة وحتى مواطنين عاديين السلاح للقتال إلى جانب غرفة مكافحة داعش.
وخلال القتال قُصفت جدران مسرح صبراتة القديم ، الذي بناه الرومان أكثر من 1500 سنة ودمرت المدفعية ونيران البنادق المدارس والمباني البلدية والمستشفيات وواجهات المحلات. وبعد 19 يوما من القتال، تم طرد الدباشي من المدينة.
وقال مسؤولون محليون مناهضون للهجرة إنه منذ طرد ميليشيات الدباشي، طُرد أكثر من 10 آلاف مهاجر من صبراتة.
وفي حين أن معركة صبراتة أوقفت تدفق المهاجرين إلى أوروبا، إلا أنها كانت تنخفض في الأشهر التي سبقت اندلاع الأعمال العدائية.
وتقول شخصيات بارزة في صبراتة انهم يعتقدون أن الدباشي تلقى أموالا كبيرة من إيطاليا لوقف تهريب المهاجرين. واعترض السفير الإيطالي في ليبيا، قائلا “إننا لا نقوم بتمويل الميليشيات”.
يقول سكان صبراتة الآن إنهم لم يعدوا يخافون من مقاتلي الميليشيات المتعاطين للمخدرات . وفي جيبٍ كان يهيمن عليه الدباشي، تقول كتابة على الجدران: “ليبيا تعود. صبراتة تعود “.
يقول التقرير أيضا إن ولاءات المجموعة في غرفة محاربة داعش موضع شك، حيث يعبر بعض الضباط عن تأييدهم للجنرال خليفة حفتر.
بينما يقول قادة المجتمع المحلي إن الدباشي لا يزال يوجّهُ تهديدات للسلطات المحلية وزعماء القبائل ويدعو مؤيديه الى تنظيم الانتفاضة. وفي 5 ديسمبر، كتب الدباشي: “سنعود إلى المدينة خلال هذه الأيام بأسلحتنا وقوتنا”.