طرحُ الأحمال.. والتماس الدفء في “طاسة شاهي”
خاص 218tv.net
أحلام المهدي
الشتاء مرادف للحميمية، ودافع للبحث عن الدفء والتماسه في كل شيء، في الطعام وفي الملابس وحتى في أثاث البيت الذي قد نستغني عنه في الصيف، ونركنه جانبا لنتجرّد من كل سبب إضافي قد يكون اليد اليمنى التي يصفعنا بها صيفنا المتوسطي النابت في رحم أفريقيا “راعية الشمس”، وبعيدا عن القهوة وطقوس إعدادها وشربها، وقريبا من “العالة” في زاوية أوسع غرفة وأشرحها في البيت، يتكدّس الدفء بكل ألوانه.
والشتاء في ليبيا ببرده ومطره لا يأتي وحيدا، بل يرافقه غول “طرح الأحمال” الذي صار ضيفا ثقيلا يداوم على زيارة البيوت الليبية دون أن يعنيه الوقت أو الطقس، لذلك فإن الدفء الذي تصنعه الكهرباء لا يعوّل عليه، فالكهرباء من المحطات التي يغذيها البترول، وهذا الأخير يأتي من موانئ وحقول تمتد من أقصى البلاد إلى أقصاها، ولا سلطة للّيبي البسيط على الكهرباء ولا على البترول.
لكن الحياة تنتصر، وعندما تغيب الكهرباء والغاز لا يغيب الدفء، بل يحضر في جلسة عائلية في مكان واحد ولا بأس إن أمسك البعض موبايلاتهم دون أن يغادروا المكان، وبأبسط الأشياء نستحضر الدفء بنكهة ليبية خالصة لا تنهكها الأسعار ولا تمتد إليها يد آلات العصر، فالليبيات يسكبن الدفء في “طاسة شاهي” يتصاعد منها البخار وتعلوها غيمة من الرغوة العاجية في طقوس من الفخامة تحمل ختم الجودة الليبية.
وبشيءٍ من الدقيق والماء قد تصنع أية أم ليبية ألذ “سفنز” قد تتذوقه في حياتك، وبنفس المكونات لكن مع اختلاف الطريقة ستعجن الدفء في عصيدة ساخنة تجعلها كثرة الأصابع المغروزة في قبتها ألذ وأحلى، ولأن لسعةً من البرد قد تمنح بُعدا آخر للدفء، فإن مجرد “بطانية” باهتة الألوان قد تحمل في طياتها الكثير من جمال الشتاء، عندما يغيب كل شيء وتحضر هي بكل حب، في إحدى زوايا بيتٍ آمن من القذائف والرصاص الطائش.