طرابلس : ثقب السفينة و الرؤوس الخاوية
218TV.net خاص
سليمان البيوضي
في ليبيا الهشة بات الغرب الليبي هو المنطقة الرخوة و على صفيح ساخن يتفاعل مع لقاء كسر الجليد بين المشير خليفة حفتر و المهندس فائز السراج في أبوظبي و هو ما يثير تساؤلات عديدة من سيتحرك و كيف و لماذا ؟
قبل الانخراط في الإجابة يجب أن نأخذ المشهد بتفاصيله المختلفة ليكون التصور مبنيا على الواقعية فالأثر يدل على المسير .قبل عام مضى انطلقت عملية البنيان المرصوص لتحرير سرت بدعم مالي من حكومة الوفاق و تدخل أمريكي بالضربات الجراحية ؛ و يمكن تقييمها اليوم بأنها نقطة التحول في الصراع الليبي الليبي و أنها كانت القرضابية الجديدة عندما تكشفت لمقاتلي مصراتة حقيقة الإرهاب و من دعمه و كيف وصلت ليبيا لهذه البراثن.
بعد أشهر فشلت كل المحاولات لخلق مواجهات مسلحة بين شباب مصراتة و الجيش الليبي من الهلال النفطي إلى تمنهت في جنوب ليبيا و بالتالي يمكن القول : ان الاٍرهاب بات وحيدا في ليبيا و لا يتحالف معه إلا قلة. إن الفشل مثَّل صفعة قوية لتيارات العنف المصلحي و الإسلام السياسي ووضعهم في ضيق غير مسبوق ؛ بعد أن توسعوا بشكل امبريالي في ليبيا و هاهم ينحسرون و لم يبقى أمامهم سوى طرابلس!.
كل الشعارات الثورية السائدة في ليبيا منذ خمسة عقود لم تعد كافية لجر الشباب للقتال ؛ بل حتى ثقافة الغنيمة نفسها لم تعد ذات قيمة بعد انتشار الحرابة العلنية. لقد عكف مؤخرا قادة من تنظيم القاعدة في ليبيا بالحديث علنية عن طرابلس و أهميتها بل إن أحد منظريها كتب صراحة ” من يحكم طرابلس يحكم ليبيا ” و مع تصاعد الحديث عن إجراء تعديل في الاتفاق السياسي لصالح حكومة توافقية تمثل كل الليبيين برزت رؤوس جديدة طامحة لهذا المنصب و لتكون طرفا فاعلا عليها أن تجد موطئ قدم و أرضا تفاوض بها ؛ و في إطار ما يسمى بالصدامات الموقعية اتفقوا ضمنيا على ضرورة السيطرة على طرابلس !.
بل إن حلفاء للرئاسي و أطرافا من داخل المجلس الرئاسي نفسه تدرس آليات السيطرة على طرابلس بعيدا عن السراج كي يكونوا جزءا من المعادلة و يقدموا أنفسهم كبديل، إذ تجدر الإشارة أنه من الطبيعي في المناطق الرخوة ؛ ان يطل الجميع برأسه أفرادا و مدنا و قبائل و لا يمكن أن أستثني أحدا في الغرب الليبي فالكل يحشد للمعركة بشكل علني أو سري في إطار السعى بأن يبرز كطرف فاعل ؛ للأسف انه زمن الرؤوس الخاوية فلا أحد يفكر في ساكني طرابلس.
الغريب أنه في إطار حشد المقاتلين للمعركة تستخدم الشعارات ذاتها و بحسب الأمزجة و العقول إما من أجل فبراير أو هيبة الثوار الحقيقيين أو منع الإنقلاب أو استعادة هيبة الدولة او بناء المؤسسة ؛ أغرب ما قيل هو ” بالون الحرس الرئاسي الذي سيكبر من أبوستة ليسيطر على طرابلس “.
مؤسف أنه لا أحد يتحدث عن الإرهاب الذي قد يحرق طرابلس أو ما الذي يريده سكان العاصمة و بتوصيف أدق ما الذي يريده الليبيون ؟ إن لقاء أبوظبي هو نقطة الارتكاز التي على أساسها ستتحرك المنظومات السابقة من أجل بسط نفوذها في طرابلس و ستتقدمهم القاعدة كرأس حربة لحد الآن بضع مئات هي القوات التي قد تنخرط في المعركة و لن يصلوا للآلاف و هم بخليطهم المعقد و طبيعة التحالفات الجامعة لهم سيكونون كتلة هشة يصعب صمودها ؛ هذا إذا لم يشهدوا صداما فيما بينهم حول القيادة و في كل الأحوال سيضطرون للتصادم بينهم في الأمد المنظور ؛ اذ أن الخليط به مجموعة المؤدلجين فكريا و الرافضين لفكر الدولة أصلا لحد كبير على الأرض، وكما ورد بتقرير المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فإن طوق طرابلس الغربي مليء بتمركزات للجماعات الإرهابية المصنفة بقرار أممي من مجلس الأمن، و خلاياها متواجدة بكل مدن غرب ليبيا دون استثناء تقريبا ، و أي تحرك غير محسوب قد يحرك السخط الشعبي ضدهم و لذا فإن معركة استنزاف طويلة الأمد لن تكون بصالحهم ؛ أما طرابلس فهي غايتهم لتكون قاعدة للتمدد .
يبقى أن أشير إلى أن الانقسام الظاهر داخل منظومات العنف المصلحي وتيارات الإسلام السياسي نفسه جزء كبير من معضلة الحرب؛ فمن يسمون أنفسهم معتدلين أعلن بعض شبابهم استقالته علانية في مواقع التواصل الاجتماعي و ثمة تراشق بالاتهامات بين هذه القوى وصل حد التخوين على خلفيات معركة بنغازي وقد يتحول لمرحلة تصفية الحساب العلنية كبديل للمداراة فغياب الهدف الموحد باتفاق ضمني هو ثقب السفينة الذي سيغرقها و سيحول معركة طرابلس إن بدأت لحرب شاملة في الغرب الليبي و هو ما سيصبغها بلون آخر لابد أن لا نستعجل توقعه بيد أن السؤال الكبير : كيف ستكون معركة طرابلس لا أحد يملك إجابة واضحة ؛ فحرب الشوارع ستكون خاسرة بالنسبة لمن لا يملك الحواضن الشعبية ، أما اذا اختيرت سياسة دك المدينة على رؤوس ساكنيها فهل سيقبل العالم ذلك.