ضجة في “الكواليس الأميركية”.. “الإخوان” إرهابية أم لا؟
يبدو أن الجدل ما يزال قائمًا في أروقة البيت الأبيض بين مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إصدار قرار يصنّف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي يستهدف أقدم جماعة إسلامية في الشرق الأوسط، بل وربما الأكثر نفوذًا. تضمّ جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة سياسية واجتماعية ملايين التابعين، وقد تخلّت رسميًا عن عقود مضت من العنف ونجحت في كسب الانتخابات المصرية التي جرت عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في عام 2011. ولم يقتصر دخولها إلى النظام السياسي على مصر، فقد رافق الحظّ جماعات موالية في أماكن أخرى مثل تونس وتركيا.
غير أنّ مثل هذا القرار ليس بالأمر الجديد، فلطالما قاوم الرئيس أوباما الضغوط التي وُضعت عليه ليعلنها منظمة إرهابية. فجماعة الإخوان المسلمين، التي تدعو إلى الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، وكذلك بعض أعضائها السابقين والجماعات المنبثقة عنها مثل حماس- الجماعة الإسلامية التي تهدف إلى تدمير “إسرائيل”- كان لها صلة ببعض الهجمات. كما أنّ بعض مستشاري الرئيس ترامب ينظرون إلى الجماعة كفصيل متشدد يتسلل خفية إلى الولايات المتحدة ليعزز قانون الشريعة فيها، وبهذا يتيح مثل هذا القرار الفرصة لاتخاذ إجراء ضدهم.
وعلى الرغم من دفع قادة بعض الدول العربية الحليفة مثل مصر، التي أطاح جيشها بالإخوان المسلمين من السلطة بالقوة عام 2013، للرئيس ترامب نحو اتخاذ قرار التصنيف، فإنّ مثل هذا القرار قد يُفسد العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصةً وأنّ الجماعة ما تزال من أعمدة المجتمع في بعض الدول.
كما ترافق المشروع المقترح بضمّ فيلق حرس الثورة الإسلامية الإيراني إلى قائمة الإرهاب، حسب قول مسؤولين سابقين وحاليين اطّلعوا على المشاورات، علمًا بأنّ قادة الحرس وفيلق القدس قد تمّ وضعهم في قائمة الإرهاب، غير أنّ الجمهوريين يؤيدون إضافة الحرس نفسه فيما يبدو كرسالة لإيران.
بينما شهدت الأيام القليلة الماضية تأييدًا كبيرًا للجزء المتعلق بإيران، ضعف الدفع ضد الإخوان نتيجةً لاعتراضات من مسؤولين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الذين لا يجدون مبررًا قانونيًا للقرار، ويتخوفون من أنّ يؤدي إلى إبعاد بعض الحلفاء في المنطقة. لذا فقد تمّ تأجيل توقيع القرار إلى الأسبوع المقبل، بعد أنّ كان من المفترض توقيعه الاثنين الماضي. يعكس مثل هذا التأخير رغبة واسعة في البيت الأبيض لأخذ بعض الوقت قبل إصدار قرارات تنفيذية عقب الفوضى التي أثارتها القرارت العاجلة مثل الحظر المؤقت للزائرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة. كما أنّها تُشير إلى الديناميكة المعقّدة المتعلقة في إدراج جماعة الإخوان المسلمين، التي أصبحت علاقاتها رخوة مع الأطراف الوطنية.
يخشى النُّقّاد أنّ ما يدفع فريق ترامب إلى مثل هذا القرار هو إيجاد مبرر قانوني لإيقاف الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد والجماعات الأخرى في الولايات المتحدة، حيث يعني تصنيفها كمنظمة إرهابية تجميد أصولها و منع منح التأشيرات والتعاملات المالية. وهذا ما وصفه توم مالينوسكي ، سكرتير مساعد للسيد أوباما على أنّه : ” قد بشير إلى أنّهم مهتمون في إثارة نزاع مع طابور خامس متوهم من المسلمين في الولايات المتحدة أكثر من الحفاظ على علاقاتنا مع شركائنا في الحرب ضد الإرهاب مثل تركيا أو الأردن أو تونس أو المغرب أو محاربة الإرهاب الفعلي” .
لكن على ما يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين تُثير قلق اليمين في الولايات المتحدة منذ زمن طويل، خاصةً شبكة برايتبارت الإخبارية التي يرأسها ستيفان بانون ، المستشار الاستراتيجي في البيت الأبيض للسيد ترامب. فقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” ملخص فيلم اقترحه بانون أطلق فيه على جماعة الإخوان المسلمين “مؤسسة الإرهاب الحديث”، أضف إلى ذلك، انضمام كلّ من سبستيان و كاثرين غورك، وهما مساهمان في شبكة برايتبارت الإخبارية ولا يشغلهما إلّا التحذير من التطرّف الإسلامي في الولايات المتحدة، حيث تمّ تعيين السيد غوركا كمساعد مستشار الأمن القومي، بينما تعمل كاثرين غوركا في وزارة الأمن الداخلي.
وفي السياق ذاته، حثّ فرانك غافني جونيور، مؤسس مركز السياسة الأمنية السيد ترامب على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، في برنامج برايتبارت الإذاعي الأسبوع الماضي، محتجًا بأنّ فلسفة الجماعة تدعو إلى ذلك، وقد أشار إلى هذا مرة أخرى في مقابلة أجرتها معه صحيفة “نيويورك تايمز مؤخرًا، حيث قال إنّ هدف الجماعة مماثل تمامًا لهدف المنظمات الإرهابية داعش وطالبان والقاعدة وبوكو حرام وجبهة النصرة والشباب، واصفًا الأمر “بالهيمنة الإسلامية”.
وقد طال الأمر الكونغرس ، حيث قدّم بعض أعضائه الجمهوريين في الشهر الماضي تشريعًا يطالب وزارة الخارجية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أو تقديم شروحات تحول دون ذلك. كما كتب عرّاب التشريع السناتور تيد كروز في تغريدة على تويتر أنّه ” حان الوقت لتسمية العدو باسمه”، حيث يسعى إلى اتخاذ الإجراء إلى جانب ماريو دياز-بالارت، ممثل فلوريدا.
أمّا في صفوف المعارضين، يأتي مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية المعروف باسم (كير)، الذي يعتبر نفسه أكبر منظمة حقوق مدنية تابعة للمسلمين في الولايات المتحدة، والذي يتهمه غافني وآخرون بأنّه واجهة لجماعة الإخوان المسلمين. فقد رفض المجلس القرار قائلًا أنّه سيكون بمثابة محاولة وقحة للضغط على المسلمين، بينما وصفه الناطق الرسمي عن المجلس، السيد ابراهيم هوبر، أنّه محاولة لاستهداف الحقوق المدنية للمسلمين الأمريكيين، وأنّه سيتم استخدامه في الحملات السياسية لمهاجمة بعض الجماعات والأفراد، ولتهميش المجتمع الأميركي المسلم و”شيطنة الإسلام”.
لم يتضح بعد أي نوع من القرارات الرئاسية قد يتخذ الرئيس، لكن من المفترض أن يطلب ترامب من وزير الخارجية ريك تيليرسون مراجعة الأمر وإن كان يجب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين أم لا، علمًا بأنّ الأخير قد وصف الإخوان والقاعدة بأنّهم “عملاء للإسلام المتشدد” في جلسة استماع في الكونغرس. قد يحاول المسؤولون تضييق نطاق مثل هذا القرار ليتجنبوا أن يؤثّر على الجماعات الموالية للإخوان خارج مصر أو تعليق إصدار القرار إلى أنّ يقرّ الكونغرس التشريع المقترح.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، وعمدت إلى استخدام العنف لعدة عقود من أجل تحقيق أهدافها الإسلامية، قبل أن يتخلّوا عن ذلك رسميًا في السبعينيات ليتبنوا الديمقراطية. شهدت الأعوام الأخيرة انضمام جماعات منبثقة عنها إلى أروقة النظام السياسي وتخلّوا عن التطرّف، بما فيها حزب النهضة الذي ينتمي إلى حكومة الائتلاف في تونس. كما حازت الجماعة على دعم حزب التنمية والعدالة الذي يرأسه أردوغان في تركيا، “حليفة الناتو”.
انتهت أكثر فترة نجاح للإخوان عام 2013، حين أقصي الرئيس محمد مرسي والذي جاء خلفًا للرئيس مبارك حيث عزله الجيش عقب مظاهرات ضده. أمّا الجنرال عبد الفتّاح السيسي الذي أطاح بالإخوان وتولّى الحكم في مصر، فإنّه يسعى إلى أنّ تصنّفهم الولايات المتحدة كمظمة إرهابية، حيث قال مسؤول أمريكي سابق، أنّ كل حديث مع القادة المصريين في الفترة ما بين 2013 ومنتصف عام 2015 كانت تتضمن ضغطًا بخصوص هذا الموضوع، حتى أنّ مسؤولًا رفيع المستوى من الاستخبارات المصرية قدّم بنفسه ملفًا إلى وزير الخارجية جون كيري، لكنّه لم يحتو على أية معلومة جديدة.، لذا قررت وزارة الخارجية أنّ الإخوان المسلمين لا تنطبق عليهم المتطلبات القانونية للتصنيف، إذ لا يوجد أي دليل يثبت إصدار قادة االجماعة لأوامر تنفيذ هجمات بشكل ممنهج. كما قامت بريطانيا بمراجعة مماثلة لقضية الإخوان عام ، 2015 وقالت إنّ استخدام العنف كان انتقائيًا وأن الجماعة استخدمت “الإرهاب أحيانًا سعيًا نحو أهداف مؤسساتية”، في إشارة إلى “الجهاد”، كما دافع قادتها عن هجمات حماس ضد إسرائيل وبرروا الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان. لكن التقرير لم يفض إلى التوصية بوصفها كمنظمة إرهابية.
ـــــــــــــــــــــــــ