صراع النفوذ يربك عمل الأمم المتحدة في ليبيا
يعكس المشهد السياسي غير المستقر في ليبيا حالة من صراع النفوذ بين القوى العالمية المؤثرة في الساحة الدولية تجلى في استمرار الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية داخل أروقة مجلس الأمن، وما معارضة موسكو على تعيين ستيفاني ويليامز كمبعوث للأمم المتحدة في ليبيا؛ إلا واحدة من نقاط الخلاف بينهما والذي تصاعد بشكل ملحوظ ومضطرد من اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في شهر فبراير الماضي، فكل من الطرفين يحاول فرض رؤيته للحل في ليبيا وإن كانت على حساب شعبها الذي ظل يرزح تحت سنين من عدم الاستقرار والفوضى، فروسيا الحالمة بعودة ثنائية القطبية ما انفكت تدفع في اتجاه فرض رؤيتها، بينما تستميت الولايات المتحدة والمستفيدة من أحادية القطبية في الدفاع عن موقفها ورؤاها.
إن المتتبع للمشهد السياسي في ليبيا لا يمكنه فهم الوضع فيها واستشراف مستقبل الصراع فيها إلا بتحليل دوائر ثلاث متداخلة، تتمثل أولاها في الداخل وتنافس الأطراف المحلية فيها من جماعات ومجموعات مسلحة على اختلاف توجهاتها وأيديولوجياتها فضلا عن المناطقية التي ظهرت بشكل لافت منذ عقد من الزمن، أما الدائرة الثانية؛ فتتعلق بالصراع الإقليمي وما يرتبط بالربيع العربي والثورات المضادة والصراع على مصادر الطاقة في شرق المتوسط، فيما تتمثل الدائرة الثالثة والأخيرة في حالة الصراع الدولي والتنافس المحموم لفرض رؤية دولية وإيجاد واقع ليس لليبيا ولا لليبيين فيه ناقة ولا جمل.
لقد بات واضحًا مدى الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة بشأن ليبيا، كما أنه تطور بشكل لافت، الأمر الذي قد ينذر بتدهور الأوضاع في ليبيا لكون أن الدوليتين لديها فاعلين رئيسيين على الأراضي الليبية، فبوادر الخلاف ظهرت في جليًا في جلسة مجلس الأمن الخميس عند عرض المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لإحاطته بخصوص التحقيق في الانتهاكات التي شهدتها ليبيا، فمندوب موسكو في المجلس فاسيلي نيبنزيا وجّه الاتهامات لمنظمات لم يسمها لفبركة الأحداث في ليبيا عام 2011 إلى حد القول إن مقتل معمر القذافي كان مدبرًا وأن البلدان الغربية انتهكت أحكام القرار 1973 القاضي بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا.
وبسبب الخلاف المحتدم بين أبرز اللاعبين على الساحة الليبية فقد تقدمت بريطانيا بمشروع قرار لمجلس الأمن لتمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا لثلاثة أشهر أي إلى 31 يوليو المقبل حظي بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمين بعد فشل تمرير مسودتين للتمديد لمدة ستة أشهر أو سنة حيث أوصى مشروع القرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش بضرورة تعيين مبعوث أممي إلى ليبيا يرأس البعثة بعد فشل أعضاء مجلس الأمن في التوافق على تعيين بديل منذ استقالة المبعوث السابق يان كوبيتش في ظل اتهامات لكل من موسكو وواشنطن بالعرقلة، وهو ما كشفت عنه مصادر دبلوماسية أممية نهاية يناير الماضي، حيث إن الأولى تشترط تعيين المجلس لمبعوث أممي جديد بشكل سريع في حين تريد الثانية الإبقاء على المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز.
لقد ساهمت هذه الخلافات، التي دأب الجميع عليها لا سيما في ظل تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسيين في ليبيا إلى جانب الفوضى التي تعم الأمم المتحدة؛ في تأجيج الصراع في بلد كان من المفترض أن يساعدوه على ترسيخ الأمن والسلام، ففي عالم يتزايد فيه العداء بين مراكز القوى الكبرى التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن؛ يفكر الخصوم في المقام الأول في حماية وتعزيز مصالحهم بطرق ملتوية وهو التفسير الذي يراه مراقبون بعد أن خرق غوتيرش قواعد مجلس الأمن عندما عيّن ويليامز كمستشارة خاصة له بالنسبة لليبيا.
وبعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا وصلت العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى حافة الهاوية بحيث بات يتردد في العالم مصطلح الحرب العالمية الثالثة، ولكن كما هو معروف لن يذهب الجميع إليها إلا بعد أن تُستنفد جميع الخيارات المطروحة بين البلدين وهو ما قد يفتح المجال أمام تأزيم الأوضاع أو حدوث حرب بالوكالة في منطقة ما من العالم، وقد تكون ليبيا هي الساحة المرشحة لذلك بسبب هشاشة الأوضاع فيها.