صحفيّون يتحدثون لـ”218″ عن دور وسائل التواصل في نشر الأخبار المُضللة
خاص 218| خلود الفلاح
لماذا يعتبر كثيرون “فيس بوك” المروج الأكبر للأخبار الوهمية والمضللة؟ لأن بعض الدراسات أثبتت أنه بمتابعة ورصد حركة نشر الأخبار المفبركة، وجد أن المواقع الوهمية تحصل على أكثر من 70% من حركة المرور وعلى النقيض من ذلك، تحصل المواقع الإخبارية على أقل من 30%، من عدد الزيارات الخاصة بها، تأتي هذه الأرقام في وقت يواصل موقع “فيس بوك” حربه ضد الأخبار الزائفة، عبر إطلاق تقنية جديدة للتأكد من صحة الصور والفيديوهات المنشورة عليه من 17 دولة.
وفي وقت سابق، أعلنت شركة “غوغل”، كبرى محركات البحث حول العالم، عن نيتها اعتماد أساليب جديدة من شأنها الحدّ من انتشار الأخبار الكاذبة.
وحول مدى مساهمة مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار المضللة في ليبيا، استطلعنا آراء عدد من الصحفيين.
أخبار دون مصادر:
أشار رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل الصحفي، رضا فحيل البوم، إلى مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار المزيفة وبشكل كبير وذلك عن طريق إعادة نشر تلك الأخبار المضللة في مواقع التواصل الليبية المنتشرة انتشار النار في الهشيم بلا معايير وبلا حسيب ولا رقيب ويتابعها الملايين ويعتقدون أن أخبارها صحيحة.
ويلفت “البوم” إلى أن ظاهرة تشويه الحقائق في وسائل الإعلام حول العالم بدأت منذ زمن بعيد، وما تغير هو مجموعة من الفرص والحوافز لنشر الأكاذيب بسرعة وعلى نطاق واسع عبر الحدود باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ويذهب “البوم” إلى أنه تم استخدام مصطلح “الأخبار الزائفة” في الفترة الأخيرة من قبل بعض السياسيين لانتقاد وسائل الإعلام خاصة تلك المتوازنة عند تغطيتها لمواضيع دقيقة لا يوافقون عليها ويعتبرونها سلبية، ولهذا السبب اعتبر بعض الأكاديميين العاملين في المجال الإعلامي أن هذا المصطلح يعد مثيرا للجدل ويفضل استخدام مصطلحات بديلة مثل “اضطراب أو اختلال المعلومات” لوصف مشكلة التضليل الإعلامي في عالمنا الرقمي، ولذا لا توجد آلية دولية متفق عليها لتصنيف هذه الأخبار.
وأوضح رضا فحيل البوم، أن المنظمة الليبية للإعلام المستقل اجتهدت في عملية تصنيف اضطراب المعلومات وفق عدة محاور: – معلومات خاطئة غير متعمدة لكن من ينتجها أو ينشرها يعتقد أنها صحيحة، أي لا نية للتضليل ويقوم الصحفي الذي نشرها بعملية التصحيح وهذا لا يحدث إلا نادرًا، وقد لا يقوم من ينشر المعلومات الخاطئة بتصحيحها والاعتذار ويكتفي بمسح المنشور، وهذا ما لاحظناه حتى من بعض الشخصيات الأكاديمية أو السياسية أو القانونية.
2- معلومات مضللة ولها أصناف عديدة منها: زائفة كليًا أي أنها مختلقة وليست حقيقية وهي كذبة متعمدة مقصودة للتضليل، مختلقة جزئيًا، ناقصة معلومات أساسية، خلط المعلومة بالرأي والتعليق والتحليل والصفات، استخدام اقتباسات في غير محلها، القصّ والاجتزاء.
على سبيل المثال عندما يتم انتحال صفة مصادر حقيقية أو اختلاق مصادر كاذبة لا وجود لها أو عندما يتم التلاعب بالمعلومات أو الصور الحقيقية بهدف الخداع، كما هو الحال عند تعديل الصور والتلاعب بها لأغراض معينة كتشويه الشخصيات أو الكيانات الأخرى.
عادة ما يتم استخدام المعلومات المضللة لإلحاق الأذى بشخص أو منظمة أو بلد ويكون تأثيرها سيئا جدا في البلاد التي تعاني من فوضى أمنية وعدم استقرار وانتشار السلاح فقد يؤدي الأمر إلى الاغتيال أو الإخفاء القسري، ولدينا مثال واضح وهو اختطاف النائبة سهام سرقيوة من بيتها والهجوم على عائلتها في يوليو 2019، بسبب معلومات مغلوطة انتشرت عبر صفحات “فيس بوك” تتهمها بأنها وصفت من يقاتل مع قوات الكرامة بـ”الجيف”، والنائبة لم تصرّح بذلك.
ونسأله، كيف نواجه الأخبار المضللة على الشبكات الاجتماعية؟ فيقول: من الصعب جدًا أن تكون هناك مواجهة لهذه الأخبار المضللة عبر الشبكات الاجتماعية دون وجود خطة وطنية تكون فيها كل الأطراف مشتركة بداية من المدرسة والبيت والمسجد ووسائل الإعلام العامة والخاصة فلا وجود لمدونة سلوك مهني في أغلب مؤسساتنا الإعلامية ولا وجود لجهة مستقلة تراقب هذه المؤسسات وتحاسب أخطائها ونحن في فوضى إعلامية عارمة لا حدود لها.
ويضيف: “هناك قاعدة اتخذها لنفسي وهي أن كل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي كذب ما لم أتأكد أنا شخصيًا من حقيقته، كصحفي؛ أقوم بالتحقق من مصدر الخبر في أي وسيلة نشر، ثم أبحث عن هذه الوسيلة، ومدى مصداقيتها، ثم أبحث عن المصادر الموجودة في الخبر، هل هي حقيقية؟ وما مدى موثوقيتها؟ وبذلك أكون قد تأكدت من الخبر إن كان حقيقيًا أم مضللاً”.
وقالت آسيا جعفر الجعفري، وهي صحفية وراصد للأخبار المضللة: تنتشر الأخبار الزائفة مع الأحداث السياسية والعسكرية وتتخصص في تناولها للأسف الوسائل الإعلامية بغرض التشويش والتأثير على الرأي العام، بالنسبة للأخبار المتعلقة بالمشهد السياسي أو العسكري تتكون أو يتم انتاجها داخل غرف الأخبار ولا تستند إلى مصدر، أما الأخبار الرائجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتكون نتيجة لانتشارها سابقًا.
وتحدثت “الجعفري” عن مواجهة الأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الرصد والتحقق ونشر الخبر المزيف إضافة إلى ترسيخ مفهوم الإبلاغ عن الأخبار الزائفة للجمهور.
وأوضحت آسيا الجعفري: أكثر ما يوجهنا في عملية الرصد من خلال عملي في المركز الليبي لحرية الصحافة ونحن نرصد الوسائل الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مسألة تهكير الصفحات، أو إقفالها، وهذا يساهم في خروجها من قائمة الرصد، إضافة إلى الظروف العامة في البلاد مثل انقطاع الكهرباء، وسائل التواصل الاجتماعي هي أكثر الوسائل فاعلية وإسراعها في نشر الأخبار الزائفة، بحسب قولها.
صحافة الوقائع
يقول رئيس تحرير منصة “سبر”، الصحفي معتز ماضي: أكثر الأخبار الزائفة رواجًا من خلال تجربتي في منصة “سبر”، وهي منصة متخصصة في رصد ما ينشر ويتداول على حسابات “فيس بوك” في ليبيا حول فيروس “كورونا”، رصدنا الكثير من المعلومات الغير صحيحة والكاذبة منذ بداية العام، قمنا بنشر أكثر من 35 تحقيقًا عن ادعاءات “منشورات” حول مواضيع مختلفة تثار حول انتشار الجائحة في ليبيا تحمل معلومات مضللة وزائفة.
ويضيف: ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار المضللة في ليبيا وخاصة “الفيس بوك” باعتبار أن غالبية الناس يتابعون الأخبار من خلاله حتى أصبح له تأثير واضح في تشكيل وتوجيه الرأي العام في البلاد.
وطالب معتز ماضي بضرورة التعامل مع ما يعرف “صحافة التحقق من الوقائع” لرصد الأخبار الزائفة. وحتى يتمكن هذا النوع من الصحافة من تنفيذ عمله، يحتاج بشكل مستمر إلى التواصل مع العديد من المصادر المختصة والتي لها علاقة بالادعاء، للتحقق من محتوى ما والحصول على معلومات حقيقية من مصادر موثوقة، هي أصعب المهام بالنسبة للمحققين “المحققين هي الصفة التي تُطلق على الصحفيين العاملين في صحافة استقصاء الوقائع”.
في المقابل، يرى أستاذ الصحافة بجامعة طرابلس، جلال عثمان، أن أكبر بيئة كان فيها رواجا للأخبار الزائفة والمضللة هي وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا “فيس بوك”، ويلفت “عثمان” إلى ارتباط الأخبار المضللة بشكل مباشر بخطاب الكراهية، أي مشكلة يتم تناولها بشكل مغلوط تؤلب جمهور المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعي وتجعلهم يرتكبون أخطاء مهنية إلى جانب التورط في جرائم سبّ وقذف علني.
وعلى جانب آخر، يتابع “عثمان” أن هذه الأخبار تتكون بطريقتين، أولاً: الأخبار الزائفة التي يتعمد صانعها نشر معلومات مغلوطة، وثانيًا: نشر معلومات مغلوطة دون قصد الإضرار بمصلحة من تتناولهم.
وعادة ما تكون هذه الأخبار عن المسئولين وقادة الرأي والسيدات والناشطين، ورأينا كيف تم نشر أخبار كيدية عن البعض بتهمة المثلية الجنسية أو تلقي أموال من منظمات مشبوهة والجاسوسية، هذه الأخبار هدفها منع المقصودين بها من مواصلة أعمالهم في كشف الحقائق وإكمال دورهم في المجتمع.
ونسأله، كيف يمكن محاربتها؟ فيقول: ينبغي أن يكون هناك تحديث للقوانين حتى تعترف بالمحتوي الإلكتروني، القانون الليبي لا يعترف بالمحتوي الإلكتروني كوثيقة، وفي حالة التشهير بأي شخص على وسائل التواصل الاجتماعي تتمثل العقوبة في مخالفة لا تتجاوز 100 دينار ليبي فقط، وأيضًا تفعيل وثيقة مراقبة الفضاء السمعي والبصري التي تم تأسيسها من قبل المجلس الرئاسي العام 2018، أو استحداث جسم لمتابعة ورصد الأخطاء المهنية في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التليفزيونية والراديو الخاصة والعامة.
ويذهب أستاذ الصحافة جلال عثمان إلى أن هناك عدة عوامل تجعل الناس تصدق تلك الأخبار “التزييف شبه العميق”، وهذا لم يستخدم في ليبيا، هنا يتم استخدام الفوتوشوب الذي يطلق عليه الآن مصطلح “تزوير”، وحسابات “فيس بوك” و”تويتر” مزور، والتركيز في هذا التزييف على الأشياء التي تهم الناس مثل الاختلاس والأخلاق، وللأسف العديد من الصحفيين والنشطاء غادروا البلاد؛ بسبب تلك الاخبار.