صحفيون ليبيون: نحتاج إلى نقابة وقانون.. وميثاق شرف
خاص 218| خلود الفلاح
وفق مؤشر حرية الصحافة للعام 2021، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”؛ فإن ليبيا تراجعت مرتبة إلى الوراء لتصبح 165 من أصل 180 دولة، بعد أن كانت في الترتيب 164 عام 2020، وبناءً على ذلك؛ يستمر العنف ضد الصحفيين، الذي يقابله إفلات متكرر من العقاب دون اهتمام من كلّ الحكومات الليبية المتعاقبة لتشكيل لجنة تقصي حقائق لتتبع الجناة ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
في هذا التقرير، نتساءل حول كيفية توفير الحماية للصحفي الليبي من هذه الجرائم؟ وهل قرار الحكومة بإنشاء مؤسسة وطنية عليا مستقلة لحماية الصحفي؛ يعتبر جزءًا من الحل؟
نقابة صحافة
قال أستاذ الإعلام بجامعة الزاوية مسعود التائب: الحق في الحماية هو أحد الحقوق الأصيلة للصحفيين ضد أجهزة ومؤسسات الدولة ومراكز القوى وجماعات الضغط والمصالح الاقتصادية، التي قد تستغل نفوذها وقوتها وتمارس نوعًا من التدخل.
ويلفت “التائب” إلى أن حماية الصحفي ومقاومة كل أشكال التدخل التي تحدّ من حريته هي مسؤولية أخلاقية يجب أولاً أن يلتزم بها الصحفيين، ويتطلب ذلك عدم استسلامهم لأي ضغط خارجي يهدف إلى تقييد حقهم في ممارسة صحفية موضوعية وحرة. ومن المهم جدًا هنا، أن يعي الصحفيين أن رفضهم لأي ضغوط تهدف إلى التأثير عليهم؛ هو حقٌ لهم وفي الوقت نفسه التزامٌ عليهم.
وطالب “التائب”، الصحفيين الليبيين بضرورة الإسراع في تشكيل جسم نقابي قوي وفاعل يتولى الدفاع عن حقوقهم، وفضح كل الممارسات والمضايقات التي يتعرض لها الصحفيون وعدم السكوت عليها، بل من الضروري جدًا أن يتكاثف الصحفيون لنيل حقوقهم كافة.
ويرى “التائب” أنه في ظلّ الظروف الحالية؛ من الصعب توقع أن تتولى مؤسسات الدولة المهترئة القيام بأي دور إيجابي من شأنه حماية الصحفيين، وعلينا الاعتراف بأن التشكيلات المسلحة وقوى الضغط غير الشرعية هي من تدير الأمور في البلاد اليوم، وبالتالي فإن الحديث عن أي دور لما يمكن أن نسميه بمؤسسات الدولة هو وهم، وعلى الصحفيين ألا يعولوا عليه، وليس أمامهم إلا تنظيم أنفسهم والتحالف مع بعضهم وتأسيس جسم قوي وفاعل ينتزع الحقوق، التي لن تُعطى لهم بسهولة في ظل تهاونهم وتراخيهم.
وأفاد مسعود التائب، وهو كاتب وصحفي مستقل، أن قرار رئيس الحكومة بإنشاء مؤسسة وطنية عليا مستقلة لحماية الصحفي؛ يمكن أن يعبّر عن بعض النوايا الحسنة، لكنه أبدًا لا يكفي في ظل هذه الظروف، فالدولة غير قادرةٍ حتى على حماية نفسها ورموزها، فما بالك بحماية الصحفيين، ولكن لا بأس، حيث يجب في الوقت الحاضر قبول أي خطوة يمكن أن تساهم في توفير، ولو الحد الأدنى من الحماية المطلوبة للصحفيين.
وتحدث “التائب” عن دور مهم يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام المستقلة خاصةً تلك الموجودة في الخارج في إشاعة الوعي لدى الرأي العام بأهمية تضامن الشارع مع حقوق الصحفيين، والتي من أهمها الحق في الحصول على الحماية اللازمة، بحيث يمكن أن يساهم ذلك، على المدى البعيد، في خلق قوى ضغط شعبية لصالح الصحفيين.
من جانبه، يشير الصحفي أحمد الخميسي إلى أنه ومنذ عشر سنوات، والصحفي الليبي ينادي بضرورة التغيير الديمقراطي في البلاد، وفي الوقت ذاته؛ جرت وتجري عملية “قصقصة أجنحته”، وإسكاته بطرق شتى، بدءًا من التهديد والوعيد والضرب والخطف والقتل، وصولًا إلى الإقصاء والتغييب، وسط صمتٍ مخجلٍ من قبل منظمات المجتمع المدني.
ويضيف: “الحكومات المتعاقبة تستمر بالمراوحة في نفس المكان، دون وجود أي مشروع أو رؤية لتطوير الإعلام، والسؤال: كيف لحكومة تظلم الصحافي من جهة، ومن جهة أخرى تريد الدفاع عنه. ربما ما يحدث يصلح كتسويق انتخابي فقط”.
وبحسب “الخميسي”؛ يعاني زملاء المهنة في جل المؤسسات الإعلامية الحكومية المكتوبة والإلكترونية والمرئية والمسموعة من وضعيات مهنية صعبة بسبب تدهور أجورهم إضافة إلى إجراءات إدارية جائرة، وعدم صرف المستحقات المالية للمتعاونين في الهيئة العامة للصحافة ونفس الوضعية في راديو الشروق الذي حل بقرار من حكومة “الدبيبة”، وأما أعداد الصحفيين الذين يعملون في القطاع الخاص فهي قليلة جدًا.
وتحدث أحمد الخميسي عن حاجة الصحفيين الليبيين إلى نقابة، لافتًا: “النقابة تظل حائطًا نستند إليه، يدافع عنّا لنتمكّن من استرداد حقوقنا بدايةً من حق الوصول للمعلومة، إلى وضع ميثاق شرف للمهنة، تحمي حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات والأفكار والمعارف والانتفاع الحر والمتكافئ بها، تشكّل عناصر أساسيةً لتمكين الناس وضمان مشاركتهم في مجتمعاتهم، فالسعي وراء الحقيقة، بصدق، واعتدال، وشعور بالمسؤولية، دون خوف من أحد إلا الله، ولا محاباة أو مجاملة لأحد؛ فإظهار الحقيقة غايتنا، والصدق في الرواية هدفنا”.
الحماية القانونية
أكد رئيس اللجنة القانونية بمنظمة ضحايا لحقوق الإنسان، احميد المرابط الزيداني، أن للصحفي في ليبيا حماية قانونية وفق التشريعات الوطنية أو القرارات الدولية من جرائم الاختطاف والاعتقال، والإخفاء القسري.
وأوضح “الزيداني”، أن قرار مجلس الأمن رقم (2222) بشأن حماية الصحفيين كان واضحًا، حيث نص في الفقرة (5) على (مسؤولية الدول من أجل وضع حد للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات)، أما بخصوص منشور رئيس حكومة الوحدة الوطنية رقم (8) لسنة2021؛ فقد نصت الفقرة (5) على (يُمنع اعتقال الصحفيين أو حجزهم داخل مقر أمني، وتُعتبر هذا الأفعال احتجازًا قسريًّا يُعرض مُرتكبيها للمساءلة القانونية). إضافةً إلى القانون رقم (10) لسنة 2013، بشأن التعذيب والإخفاء القسري.
ويتابع: عليه ومما سبق؛ تتبين لنا الحماية القانونية للصحفي، حتى وإن كانت منقوصةً وتحتاج إلى التعزيز، ولكن الذي يلزم في هذه المرحلة هو تقديم الجُناة إلى العدالة عبر البلاغات والشكاوى والمحاضر الموجهة إلى مكاتب النائب العام والمدعي العام العسكري اللذيْن يجب أن يتحمّلا المسؤولية القانونية والأخلاقية في إصدار أوامر ضبط الجُناة وإحضارهم والقصاص منهم لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
ويرى “الزيداني”، قد لا يكون إنشاء مؤسسة عليا لحماية الصحفي وحدها هي الحل، بقدر أن يكون للصحفيين قانونٌ خاصٌ بهم يبيّن حقوقهم بكل وضوح، كالقانون رقم (21) لسنة 2011، بشأن حقوق الصحفيين في دولة العراق، والذي ينص في مادته العاشرة على (لا يجوز استجواب الصحفي أو التحقيق معه عن جريمة منسوبة إليه مرتبطة بممارسة العمل الصحفي إلا بقرار قضائي). فمثل هذا القانون، بالإضافة إلى مُمارسة النائب العام لمهامه بشكل حازم وتحمل الأجهزة الضبطية لمسؤولياتها؛ سيُعزز حماية الصحفيين بشكل كبير، مع ضمان حقوقهم من المساس والانتهاك.