شباب وشيّاب..!
فرج عبدالسلام
لم أتفاجأ عندما علّقت رفيقتي ذات صباح وهي تتابع أخبار إمانويل ما كرون، مرشح الرئاسة الفرنسية الأوفر حظا، وهو الذي لم يتمّ بعد عامَه التاسع والثلاثين. وقالت متى يعي حكامنا في هذه الأوطان المكلومة أنّ عليهم الرحيل في الوقت المناسب وتسليم دفة الحكم إلى دماءٍ شابة.. ولم تنس أن تختم بأن هذا الأمر لو حدث فعليا في ليبيا بعد فبراير لتجنبنا المأزق التاريخي الذي نجد أنفسنا فيه الآن. ولكن لمن لا يعرفُ فأنا ورفيقتي تعدينا سن الكهولة حسب التصنيفات اللغوية والأنثروبولوجية المتعارف عليها، وبالتالي لا يستطيعنّ أحد وصفنا بالتحامل على هذه الفئة العمرية، لأننا منها ونشعر بالتعاطف مع رزاياها! وربما هذا التعاطف هو ما يجعلني أناشد الأمة بأن تسمح لحكامنا الشيوخ بالتقاعد المريح ويكفيهم ما بذلوا من تضحيات في سبيل أوطانهم.
غالبيةُ المجتمعات الإنسانية تقدّر الإنسان عند تقدمه في السن، فطولُ العمر تأتي معه الحنكةُ والحكمة ويقل معدّل اتخاذ القرارات الطائشة، وعندما نحترمُ ونقيّم الكبار، دائما ما نرى فيهم آباءنا وأمهاتنا الذين ننظر إليهم بإجلال وتقدير. لكن كثيرا من الدراسات الاجتماعية تشيرُ أيضا إلى تسيّد ما يعرف بظاهرة البطرياركية في أوطاننا المكلومة وهي توصيفٌ لنظام السلطة الأبوية المطلقة التي لا تجيز لأية مظاهر سلطة سواها بالبروز والانطلاق، ولهذا السبب عينه نرى مجتمعاتنا يقبض على زمام الأمور فيها، شيوخٌ في الغالب على اعتبار أن الفئات العمرية الأقل لازالت عديمة الخبرة بالحياة وبالإدارة وعليهم أن يعيشوا في ظل هذه السلطة الأبوية الاستبدادية، وتبدأ سلطة القمع من البيت العربي إلى المدرسة إلى ما شئت من مؤسسات الدولة، أما مؤسسةُ الحكمِ فأمرها محسوم لا يصلها الشباب إلا بتوريث أو انقلاب!. وطبعا يقول العارفون والدارسون إنه لهذه السبب بالذات لن تشهد مجتمعاتنا نموا حقيقيا ولا تغييرا ذا بال ما دام أمثالنا نحن الشيوخ مصرين على الإمساك بدفة قيادة السفينة حتى وهي تكاد تغرق بسبب سوء قيادتنا.
مناسبة هذا الحديث هي ما تداوله بعضُ من لا يقدّروننا حق قدرنا، ونشروا صورا لبعض القادة الأجلاء وقد غلبهم سلطان النعاس خلال مؤتمر القمة (الآن تأكّد لي سبب تسميته بالسلطان)، ودعاني هذا الأمر للبحث عن تعريف لمرحلة الشيخوخة، فوجدت أنها من سن 60 _ 70 عام، وفيها “يكون الفردُ أكثر انعزالية وميلاً للمكوث في المنزل، ولا يخرج إلا للحاجات الضرورية فقط. ويفقدُ الكثير من الأصدقاء بسبب الوفاة أو انعزالهم مثله، ويعتمد في الكثير من الأحيان على الآخرين لتأدية شؤونه العامة بسبب بداية مرحلة الشيخوخة”. وطبعا ليس هناك ضرورةٌ لتعريف المراحل التي تلي ذلك حتى لا أتهم بالإساءة لرموزنا.
دفعني هذا الأمر إلى القيام بجردةٍ لأعمار الحكام العرب ـ أكبرهم في التسعين وأصغرهم في السادسة والثلاثين ـ لأجد أن متوسط سن الحاكم العربي حاليا هي 66.1 عاما، وطبعا هذا المتوسط قابل للزيادة السريعة خلال الأعوام القادمة لأسباب نعرفها جميعا. أيضا أثناء إجراء حساباتي وقعتُ في حيرة بين تسجيل عمرِ “فايز السراج” أو “عقيلة صالح”، فكلاهما يرى أنه أحق بأن يحكمنا حتى أن أحدهما بدأ يجيز ألحانا تتغني بحكمته الربانية، وتوصلتُ لفكرة جهنمية ـ رغم شيخوختي ـ وهي أن أجمع عمريهما وأقسم على اثنين، وهي لعمري عملية توفيقية بامتياز، رغم أنّ الوفاق في بلدنا يبدو حلما بعيد المنال.