سنة التحدّيات العربية
محمد علي فرحات
ليست 2018 سنة القدس، على رغم سخونة اعتراف واشنطن بها عاصمة لإسرائيل واعتراض غالبية دول العالم، وعلى رغم تظاهرات احتجاج لا تتعدى كونها انتفاضة خجولة لن تصل إلى حجم انتفاضتي 1987 و2000. ثمة متغيّرات سلبية تضغط على فلسطين وشعبها، لعل أبرزها ضربات يتلقاها العرب في شكل حروب داخلية أو أزمات اقتصادية أو انشغالات هامشية عن جوهر الصمود السياسي والتطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
ولن يستطيع دونالد ترامب الوفاء بوعد سلام فلسطيني- إسرائيلي ولن يكون مقنعاً تعليق فشله على مشجب رفض العرب موقفه من القدس، ففشل الرئيس الأميركي سيضاف إلى خيبات أسلاف سبقوه في وعودهم إهداء منطقة الشرق الأوسط سلاماً. لكن الأسباب واضحة يراها العرب والعالم ويعمى عن رؤيتها رؤساء ومرشحون للرئاسة في الولايات المتحدة. إنه اليمين الإسرائيلي الذي اغتال اسحاق رابين ويجد في بنيامين نتانياهو بطل المرحلة: لا سلام مع الفلسطينيين، بل لا سلام حقيقياً مع العرب. وكيف يرضى إسرائيلي يميني بالسلام مع دول مجاورة تتهدم بناها السياسية والاجتماعية وتتراجع أفكار نخبها إلى القرون الوسطى، كما حدث ويحدث في سورية والعراق وغزة فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر؟
تودّع سورية سنة 2017 بتصريح رئيس الأركان الروسي حول تخصيص السنة المقبلة للحرب على «جبهة النصرة» في خيارات عسكرية مفتوحة، أما مؤتمرات جنيف وآستانة وسوتشي فهي محطات تذكير بالأزمة السورية لا أكثر ولا أقل، في انتظار ما يسميه الروس حسماً عسكرياً مع الإرهاب، في حين تحفل الساحة السورية بخلافات بين موسكو وواشنطن وبين هذه الأخيرة وأنقرة، وبين العواصم الثلاث وطهران، بأشكال خفيّة ومعلنة. أما العراق الذي لم يستطع على رغم انتصارات مشهودة على «داعش» تسوية الخلاف السنّي- الشيعي بشجاعة ووضوح، على وعد أن تأتي الانتخابات المقبلة بشخصيات تحقق هذا الهدف الوطني الجامع. وفي انتظار الوعد يرى العراقيون مشكلة إقليم كردستان تتفاقم في داخله وفي علاقته مع المركز، وبالتالي أمام العراقيين مهام صعبة ولكن مطلوبة ليستعيدوا وطنهم بالشكل الذي يرتضونه، بعدما عملوا كثيراً من أجل الآخرين وخسروا أنفسهم.
يمكن وصف 2018 بأنها سنة التحدّيات العربية، فالجار الشرقي، إيران، يتحالف مع الجار الشمالي، تركيا، ليوسّع كل منهما مجالاً يعتبره حيوياً في الجغرافيا العربية المجاورة. هكذا تستغل طهران المشكلة الفلسطينية لتضع يدها على بعض فلسطين فضلاً عن وجودها الملموس في العراق وسورية ولبنان بدعوى المشاركة في الحرب على الإرهاب، ولا بد من ذريعة لتحقيق الهدف: وصول نفوذ طهران إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط. أما تركيا التي شاركت إيران، من موقع المختلف، في تأجيج الحرب الأهلية التي دمّرت سورية، فهي تبحث عن فراغات تملأها في المنطقة، متحالفة مع أنظمة سياسية ضعيفة ترى فيها منقذاً، مثلما حدث في قطر حيث تطوّر الوجود العسكري التركي إلى قاعدة كبيرة، ومثل الاتفاقات التي عقدها رجب طيب أردوغان أثناء زيارته الخرطوم مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وأبرزها إنشاء قاعدة عسكرية تركية على جزيرة سودانية في البحر الأحمر، قاعدة يعتبرها البشير دعماً لنظامه، ويرى فيها أردوغان استكمالاً لوجوده العسكري في شرق جزيرة العرب وغربها، فضلاً عن حصاره مصر جنوباً بعدما حوصرت شرقاً من ليبيا وغرباً من غزة- «حماس».
إنها سنة التحدّيات العربية، حين تقوم المملكة العربية السعودية بدور المدافع الرئيسي عن العرب باعتبارها مهدهم. وسنة التحدّيات هذه تتطلب وعياً ورصانة وتفريقاً بين الأساسيات الثابتة والفرعيات العابرة. وهذا كله شأن النخب السياسية والاقتصادية والثقافية في الآتي من الأيام.
……………….
الحياة