سخاء الأنوثة
عمر أبو القاسم الككلي
منذ زمن بعيد تخليت عن النظرة المغرقة في الرومانسية تجاه المرأة. تلك النظرة التي تجعل منها كائنا إيجابيا محضا ينشر حوله الرقة واللطافة والمودة والطيبة. لم أعد مؤمنا بصرخة الشاعر الفرنسي لويس أراغون: “المرأة، لا الملوك، مستقبل البشر”.
ذلك أن المرأة، أيضا، يمكنها أن تكون فظة وقاسية وعنيفة ودموية، أي مصدر شر. فثمة لصات ومحتالات وقاتلات…
لكن، يبدو أنني لم أُقصِ تلك النظرة الرومانسية تجاه المرأة تماما. بل احتفظت بما هو جوهري منها، دون أن يكون معمما على المرأة بإطلاق، وإنما يرتبط ببعض النساء. وهذه نظرة أراها موضوعية وواقعية وعادلة.
فلقد وضعت إطارا مفهوميا أسميته “سخاء الأنوثة”. وهو شيء تتمتع به بعض النساء، فقط. وسخاء الأنوثة هذا يشمل مجمل السلوك اليومي. وتتميز المتحليات بهذا الجانب بحس الدعابة (وليس السخرية) واللطف وسلاسة التعامل. أي أنه، إجمالا، كل ما تحمله النظرة الرومانسية الخالصة، ما عدا أنها هنا ليست عامة.
ويحسن بي هنا آن آتي بمثال واقعي، مررت به شخصيا، ينطبق عليه مفهومي لسخاء الأنوثة.
*
كنت في فترة أتردد على مقهى قريب من بيتي، وكنت أتناول في جلستي تلك كوب شاي بالنعناع وأقرأ شيئا، إذ كنت أتضايق من جلوسي في مقهى وحيدا دون مجلة أو كتاب.
ذات مرة، ناولت النادلة المغربية الرشيقة ذات الوجه الأنيس عشرة دينارات. التفتت ونادت أفريقيا مسؤولا على تجهيز الرقيلة. طلبت منه أن يذهب ليفكها في أقرب محل. حين عاد أخذت منه المبلغ قائلة:
– شكرا، يا حبيبي.
وهي تُعد المبلغ الذي ستعيده إليَّ قلت لها:
– بنجي نشتغل معاكم!.
قالت بنبرة متهيئة للممازحة:
– علاش؟!.
– باش لما يعطيك زبون عشرة دينارات وما عندكش صرف تطلبي مني نمشي نصرفها، ولما نجي تقوليلي: شكراً يا حبيبي!
أعادت إليَّ الباقي ضاحكة. تناولت نقودي واستدرت خارجا…
قبل أن أصل الباب، أدركني صوتها:
– تصبح على خير، يا حبيبي!