سحابة Luna للألعاب: خطوة احتكارية جديدة من أمازون!
الألعاب دائمًا ما تُنسي الهموم وتُجلي الأحزان، وكذلك تجمع الأصدقاء مع بعضهم البعض، وتربط بين الغرباء على مستوى العالم؛ ليصيروا أقرب إلى بعض من الإخوة. ولهذا تحولت صناعة الألعاب مع الوقت من مجرد صناعة ترفيهية تهتم بتسلية اللاعب، لأخرى تهتم بتنمية اللاعب. ومع التطور التكنولوجي المستطرد، وقدرات الإنسان الهائلة على الإبتكار والإبداع؛ وصلت الألعاب إلى مستوى غير مسبوق من حيث الجرافيك، أسلوب اللعب، وحتى طريقة التفاعل مع الجمهور.
لكن بقي شيء واحد فقط مُعيق للتجربة، اللاعب لكي يعيش تجربة الألعاب الحديثة، عليه إما شراء حاسوب خارق، أو جهاز لعب منزلي باهظ الثمن.
وهنا انتقلت الصناعة من التطوير في منتجاتها، إلى التطوير في آلياتها. وبذلك صدرت لنا خدمات الحوسبة السحابية للألعاب، والتي تمكن أي شخص من لعب أي لعبة على أي جهاز ذكي يحمل شاشة مريحة للعين، بمجرد وجود اشتراك إنترنت يسمح ببثّ المحتوى من أجهزة المنصّة الأم، لجهاز اللاعب.
بدأت الكثير من المنصّات الأمر منذ فترة، والآن دخلت شركة أمازون العملاقة إلى حلبة المنافسة. وهذه المرة خدمتها مقدمة تحت مسمى لونا – Luna.
فما هو مستقبل تلك الخدمة الجديدة؟ وكيف يخطط جيف بيزوس للاستحواذ على كل شيء وأي شيء؟
ما الذي يجعل لونا مميزة؟
على عكس خدمة Stadia المقدمة من شركة جوجل التي تتعامل مع لينكس، فخدمة Luna المقدمة من أمازون تتعامل مباشرة مع نظام التشغيل ويندوز، وكروت شاشة نيفيديا التي تحمل معمارية تورينغ – Turing بداخلها. الكروت المستخدمة في خوادم الشركة هي من نوعية T4، والتي تقدم الواحدة منها قوّة معالجة تقدر بـ 8.1 تيرا فلوب بالتمام والكمال، بينما تعتمد على قوتها في المعالجة المركزية على كوكبة من معالجات إنتل (فئة Lake)، لتقدم بذلك قدرة معالجة مركزية تتوافق مع معالجة الكروت الهائلة، وذلك بسعر 6 دولارات للشهر، أو 50 دولارا لأول مرة إذا طلب اللاعب ذراع تحكم أمازون الجديد.
بينما جوجل تستخدم معالجات بنواة x86 وكروت شاشة مصنعة خصيصًا من شركة AMD القوية في السوق؛ لتقدم قوة معالجة جرافيك تقدر بـ 10.7 تيرا فلوب. وأخيرًا بالطبع مايكروسوفت تعتمد في خدمتها السحابية على قدرات الـ Xbox One S الموجودة في خوادمها، والتي لا تقدم للاعب إلى 1.4 تيرا فلوب فقط.
على الورق، تبدو جوجل متفوقة على كل المنافسين، لكن في الواقع استغل جيف بيزوس كونه واحدًا من عمالقة المال في العالم، ليستطيع عمل شراكة مع بيل غيتس، واستغلال نظام تشغيله الأثير كواجهة خلفية لتطوير الألعاب، وهذا هو الفيصل في الأمر كله.
يستطيع أي مطور لأي لعبة صدرت على نظام تشغيل ويندوز سابقًا؛ بسهولة أن ينقلها إلى خدمة لونا السحابية، نظرًا لتشابه نظاميّ التشغيل في الأساس. ولا يمكن نسيان قدرات نيفيديا المستغِلة تمام الاستغلال لقدرات DirectX التي تتمثل في تقنية تتبع الأشعة – Ray Tracing، على عكس لينكس الذي يجعل انتقال الألعاب من الويندوز إليه، أمرًا غير يسير. وأتى قرار جيف بإصدار هذه المنصة في هذا الوقت تحديدًا في صالحه جدًا، نظرًا لعدم إعلان AMD عن كروتها المنافسة لجيل الـ 3000 من كروت نيفيديا بعد، ما يجعل أمازون في موضع قوة مقارنة مع الآخرين.
كل تلك القدرات تجعل أمازون واثقة من تقديم جودة 4K قريبًا، وحاليًّا هي تقدم 1080p للجمهور.
لماذا (لونا) جزء من خطة رأسمالية كُبرى؟
تحكم أمازون في الخوادم
رسميًّا، تملك أمازون كوكبة عملاقة من الخوادم المهولة على مستوى العالم، والتي تقع كلها تحت اسم واحد AWS، والذي هو اختصار لـ “خدمات أمازون للويب – Amazon’s Web Services”. والمثير للانتباه هو أن خوادمها لا تفيدها هي فحسب، فأمازون تقوم بتأجير تلك الخوادم للشركات الأخرى كي تقوم بعرض محتواها السحابي للجمهور من خلال الخدمة الفرعية المعنونة بـ ” خدمة أمازون للحوسبة السحابية المرنة – Amazon Elastic Compute Cloud”، وبعض تلك الشركات هي بمثابة مجموعة أذرع قادرة على دعم لونا نفسها لاحقًا؛ نظرًا للسياسة الاحتكارية التي يضغط بيها جيف على أصحاب تلك الشركات.
حسب تقارير (كورا) الرسمية، فالشركات التالية تدفع تلك المبالغ بالتحديد لأمازون شهريًّا، نظير تأجير الخوادم ذات الخدمات السحابية فقط:
– منصة Netflix تدفع 19 مليون دولار.
– منصة Twitch تدفع 15 مليون دولار.
– منصة LinkedIn تدفع 13 مليون دولار.
– منصة Facebook تدفع 11 مليون دولار.
– منصة Turner Broadcasting تدفع 10 مليون دولار.
– منصة BBC تدفع 9 مليون دولار.
– منصة Baidu تدفع 9 مليون دولار.
– منصة ESPN تدفع 8 مليون دولار.
– منصة Adobe تدفع 8 مليون دولار.
– منصة Twitter تدفع 7 مليون دولار.
تقديم أمازون للخدمات السحابية لتلك الشركات الشهيرة، سيجعل من الوارد جدًا ظهور شراكات عديدة على السطح بالفترة القادمة، وفي حالة رفض منصّة منهم لتلك الشراكة، ربما يتم تقليل حصة الخوادم خاصتها، أو إلغاء التعاقد مثلًا.
عالم رأس المال لا يعرف الرحمة، ولونا خدمة جديدة يجب أن تأخذ لنفسها مكانًا بين الكِبار بأي شكل. التحكم في الخوادم لن يدعم فقط استمرارية وصلابة لونا في المستقبل، بل أيضًا سيضمن لأمازون عشرات العشرات من فرص الشراكات والنمو المختلفة مع الشركات الأخرى، والتي ربما تقدم عروضًا مزدوجة عند الاشتراك في الخدمة؛ كالحصول على حزمة برامج أدوبي لمجانًا لثلاثة شهور مثلًا.
تحكم أمازون في تويتش
أمازون هي الشركة المالكة لمنصة تويتش، بالرغم من وجود مستثمرين كُثر فيها (ويدفعون لأمازون مقابل الخوادم السحابية). لكن الامتلاك الورقي والسندي لشركة بضخامة تويتش، سيسمح في المستقبل بانصهار خبراء البثّ المباشر للمنصة، مع ألعاب لونا. وربما ستكون هناك أموال إضافية للستريمر الذي يترك الألعاب الأخرى، ويذهب لفتح لونا وعمل بثه للجمهور؛ مروجًا لها بسهولة.
ولا يمكن أبدًا الاستهانة بقدرة تويتش على قلب موازين القوى بالكامل. حاليًّا عاد الستريمر الأشهر من نار على علم: شراود؛ إلى المنصة مجددًا. ماذا سيحدث إذا قرر جيف التعاقد مع الشركة المالكة لاستوديو تطوير PUBG نسخة الحاسوب، لعمل نسخة أخرى خاصة بلونا حصرًا؟ وماذا إذا كانت هناك أموال إضافية لشراود إذا بثها من هناك؟ وخدمات إضافية للمتابعين إذا أدخلوا كود خصم باسمه وحصلوا على 20% تخفيض من سعر الاشتراك الشهري؟
كلها آليات رأسمالية جاذبة من الوارد جدًا تطبيقها في المستقبل، نظرًا لاستحواذ أمازون على تويتش.
تحكم أمازون في خدمات أخرى
أمازون لم تتوقف عند تأجير الخوادم وشراء منصات اللعب المباشر، بل أيضًا قدمت باقة من الخدمات الإلكترونية الأخرى للجمهور. والتي على رأسها خدمة المشاهدة التابعة لـ Amazon’s Prime، والتي تُنافس بها نيتفليكس؛ الزبون الأكثر ثراءً وحرصًا على تأجير الخوادم منها. نفس الآلية التسويقية من المحتمل أن تحدث هنا، ربما يتم دمج أمازون برايم مع لونا في باقة خدمية واحدة بسعر مخفض، أو تقديم واحدة بسعر كامل، بينما الأخرى تأتي بخصم مغري للقلب قبل العقل.
ولا يمكن أبدًا غض الطرف عن كون أمازون في الأساس متجرًا عالميًا، وهذا يمكنها من توزيع كوبونات اشتراكات مجانية للخدمة السحابية على كل العملاء الذين يشترون منتجات أكثر من 100 دولار على سبيل المثال، أو عمل قائمة كاملة بتلك الكوبونات في أيام الخصومات الكُبرى كالجمعتين السوداء والبيضاء.
لا يوجد حد لطموح جيف بيزوس، ولن تعرف رأسمالية أمازون حدًا. اليوم كان الموعد مع منصة ألعاب واعدة، وغدًا ربما تأخذ الشركة خطوة أخرى نحو المستقبل الذي (ربما) لن ترضى باقي الشركات الرأسمالية عنه بسهولة.